واشنطن والخرطوم .. آفاق ضائعة!

واشنطن والخرطوم .. آفاق ضائعة!


لامس المجلس الأطلسي -في آخر تقرير له صدر فى الحادي والعشرين من مارس الماضي- عصب العلاقات السودانية الامريكية، وكيفية إيجاد سبل كفيلة بوضعها في نصابها المطلوب. والمجلس الأطلسي كما هو معروف يعتبر أحد أهم الحلقات التى

تسهم في صناعة القرار و بلورة الرؤى و سبر غور القضايا الاستراتيجية الهامة في الولايات المتحدة الامريكية، وهو بهذه الصفة حين يطرح رؤية من الرؤى يتحرى الدقة و ينتظر من صناع القرار في واشنطن تبني هذه الرؤية بما يعود بالنفع على الدولة العظمى.
التقرير أعدته الدكتورة (ليكسي ليلي) تناول بإسهاب الخلفية التاريخية للعلاقات السودانية الامريكية و المحطات الهامة التى مرت بها حتى وصلت إلى قرار رفع العقوبات الاقتصادية -اكتوبر 2017- ويرى التقرير ان محصلة رفع العقوبات الاقتصادية هي المحطة التى تجمدت عندها مسيرة التطبيع، اذ ان الزخم الذي صاحب قرار رفع العقوبات لم يمض بذات التدفق المأمول.
 ولعل ابرز ما أشار اليه التقرير ان لا يترك السودان بغير ارتباط مع الولايات المتحدة لان واشنطن بذلك (تخاطر بمنح المتشددين السودانيين مبرراً للابتعاد عن الولايات المتحدة والوقوع في أحضان المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة مثل روسيا وتركيا وإيران)!
هذه المخاوف التى عبر عنها المجلس الأطلسي بوضوح، هي واقع الأمر بمثابة فرصة سياسية نادرة لم ينتبه لها بعد صناع القرار في الدولة العظمى، فكما ان علم الاقتصاد هو فن البدائل فان السياسة هي فن الممكن، والممكن ربما يستند إلى بدائل. فكما يشير التقرير فان السودان تمتع بموقع جغرافي استراتيجي في المنطقة باعتباره جسراً يربط ما بين العالم العربي والإفريقي و يرتبط في الوقت نفسه بروابط سياسية و اقتصادية مع دول الشرق الأوسط .
هذا الوقع الجغرافي جعل السودان مهماً بالنسبة للإقليم والمنطقة ، فهو شريك في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن و لديه إسهام قتالي مؤثر هناك. وهو قريب جدا من مسارات الارهاب و تنظيم الدولة و بإمكانه الإسهام بفاعلية في الحد من أنشطة الارهاب في المنطقة، ولديه حدود مهمة بطول 800 ميل مع جمهورية مصر العربية، احد أهم المحطات التى تقلق واشنطن و تثير شجونها باستمرار، وحدود أخرى مع ليبيا المضطربة تصل إلى 200 ميل بالإضافة إلى قربه الشديد من ملف مياه النيل المحتدم النزاع حوله بين مصر وإثيوبيا .
السودان أيضاً لديه نفوذ ويمكن ان يكون جزء من الحل في الصراع الدموي الأهلي الدائر في دولة جنوب السودان . هذه الميزات من الصعب تجاهلها، ويدرك صناع القرار في واشنطن أنها واحدة من اكبر اهتمامات الولايات المتحدة , لهذا فان التقرير تعجب من تأخر التطبيع وضرورة إرسال سفير أمريكي إلى الخرطوم بعد أن غادرها آخر سفير في العام 1997م!
مجمل رؤية المجلس الأطلسي أن إدارة ترامب المنشغلة بأولويات أخرى آن الأوان ان تنشغل بدفع عجلة علاقاتها مع السودان الى الأمام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة