(التفاوض مستمر)

(التفاوض مستمر)
حملت إثيوبيا أمس الأول (الخميس) مصر، مسؤولية فشل الاجتماع التساعي بالخرطوم الأسبوع الماضي بشأن سد النهضة الإثيوبي والذي ضم وزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة الأمن والمخابرات لمصر والسودان وإثيوبيا، لكن القاهرة
نفت الاتهام الإثيوبي، وأكدت حرصها على تفاهم مشترك، بينما الخرطوم ما زالت على خط تقريب وجهات النظر.
سبب الفشل:
وأوضح ملس ألم، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، أن الاجتماع جاء لخلق روح التعاون بين البلدان الثلاثة، مستدركا في الوقت نفسه أن سبب فشل مفاوضات الخرطوم هو عدم جدية وتعاون الجانب المصري وطرحه لاتفاقية 1959 في المشاورات، وأنه لم يقدم تعاونا ولا رغبة بأن يأتي هذا الاجتماع بنتيجة عقلانية. وقال ملس “بحثنا كل الموضوعات المتعلقة بالسد وكيفية تنفيذ التوجيهات الصادرة عن اجتماع الرؤساء الثلاثة في أديس أبابا”، مصيفا أن المصريين قدموا في هذ الاجتماع اتفاقية 1959 وبلغناهم بأن هذه الاتفاقية لم ولن نقبل بها، لأننا لسنا طرفا في الاتفاقية المبرمة آنذاك.
روح إيجابية:
من جانبه، سارع المستشار أحمد أبو زيد الناطق الرسمي للخارجية المصرية بالرد على ما ذهبت إليه أديس أبابا، ونفي أبو زيد في بيان صحفي أمس الأول (الخميس)، تلقت (اليوم التالي) نسخة منه، نفي دقة ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام بشأن تصريحات للمتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية ولوزير خارجية السودان تحميل مصر مسؤولية فشل جولة المفاوضات الأخيرة حول سد النهضة في الخرطوم، مشيرا إلى أن مصر شاركت في الاجتماع التساعي في الخرطوم بروح إيجابية ورغبة جادة في التوصل إلى اتفاق ينفذ التوجيهات الصادرة عن قيادات الدول الثلاث، بضرورة التوصل إلى حلول تضمن كسر الجمود الحالي في المسار الفني الخاص بسد النهضة، مضيفا أن أي مراقب للمواقف المصرية في كافة الاجتماعات الفنية والسياسية الخاصة بهذا الموضوع، لا يمكن أن تخطئ عينه في إدراك المرونة والإيجابية التي تتعامل بها مصر في تلك المفاوضات، بهدف التوصل إلى التوافق الذي يحقق مصالح الدول الثلاث، وليس أدل على ذلك من الاقتراح الذي طرحته مصر بمشاركة البنك الدولي في المفاوضات الثلاثية، وغير ذلك من الاقتراحات التي طرحتها مصر خلال الاجتماع التساعي الأخير في الخرطوم، والتي رأت ألا تكشف عن تفاصيل ما تم تداوله خلاله حفاظا على الروح الإيجابية ولإتاحة الفرصة لاستكمال المناقشات بهدف التوصل إلى اتفاق خلال اجتماعات قادمة. وكشف أبو زيد عن أن سامح شكري وزير الخارجية قد وجه أمس خطابا إلى نظيريه السوداني والإثيوبي للدعوة إلى اجتماع ثان على المستوى التساعي في القاهرة لاستكمال المناقشات، مؤكدا أن هذا يعتبر أكبر دليل على حرص مصر على التوصل إلى اتفاق يضمن استئناف المسار الفني واستكمال الدراسات المطلوبة، وأنه لا يمكن لمصر أن تكون طرفا معيقا للوصول إلى هذا التوافق مثلما تم تداوله إعلاميا.
غندور أيضاً:
تصريحات أبو زيد أشارت إلى أن بروف إبراهيم غندور وزير الخارجية كان قد حمل مصر أيضا مسؤولية فشل اجتماعات التساعي بالخرطوم، وعندما رجعنا للناطق الرسمي للخارجية المصرية لمعرفة دقة المعلومة، قال أبو زيد لـ(اليوم التالي) إن غندور تحدث بذلك وحمل مصر المسؤولية في (البي بي سي)، وعن موعد الاجتماع الثاني للتساعي الذي دعت إليه مصر بالتحديد، أضاف أبو زيد أنه سيكون يومي 21-22 من الشهر الجاري بالقاهرة، واكتفى أبو زيد في تعليقه عن التوقعات للاجتماع الثاني بما جاء في بيانه أول من أمس، وقال إن الحقيقة التي أمامنا أن مصر دخلت وستدخل اجتماعات التساعي بروح إيجابية ساعية لوجود حل.
وحسمها الجانب الرسمي المصري في الرياض على هامش اجتماعات القمة العربية، حيث كشف سامح شكري وزير الخارجية المصري، أمس (الجمعة)، أن مصر وجهت الدعوة لعقد الاجتماع مما يؤكد حرصها على التوصل إلى تفاهم مشترك.
لم يصل حد التراشق:
مصدر مطلع علق على اتهام إثيوبيا لمصر بفشل المفاوضات ونفي القاهرة لذلك، قائلاً إن الموضوع لم يصل حد التراشق بعد، مؤكدا أن مصر ستظل في مسار التفاوض حتى النهاية، وأن ذلك أفضل الخيارات المتاحة أمام القاهرة، موضحا أن إثيوبيا لم تتهم مصر بفشل التساعي بالمعنى الحرفي، وقال إن كل ما ذكره الناطق الرسمي للخارجية الإثيوبية بأن مصر تتحدث عن اتفاقية 1959 وأننا لن نقبل بها لأننا لسنا طرفا فيها، مضيفا أن باقي حديثه عن الإيجابية وروح التعاون، ونوه المصدر بأن أديس أبابا يمكن أن تقلق من انعقاد الاجتماع بالقاهرة خشية أن يخرج الوفد المصري ببيان منفرد يعلن فيه تجميد المفاوضات، كما حدث من قبل في جولة نوفمبر الماضي.
وكانت اجتماعات التساعي لسد النهضة قد عقدت بالخرطوم قبل أسبوع ولكنها فشلت في التوصل إلى اتفاق في ختام مفاوضات استمرت لأكثر من (17) ساعة، ويذكر أن تساعي سد النهضة جاء تكليفا للرئيسين عمر البشير وعبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق ميريام ديسالين في قمتهم على هامش اجتماعات الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا نهاية يناير الماضي، والذي قرر فيه الرؤساء الثلاثة تكوين لجنة تساعية من وزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة الأمن والمخابرات بمصر والسودان وإثيوبيا بعد أن وصلت مفاوضات المسار الفني للسد إلى طريق مسدود، وأعلنت القاهرة تجميدها في نوفمبر الماضي لرفضها تعديلات تريد أديس أبابا والخرطوم إدخالها على دراسات المكتب الاستشاري الفرنسي حول أعمال ملء السد وتشغيله.
تعنت إثيوبيا:
في الوقت نفسه ينقسم خبراء المياه في مصر حول توقع نتائج التساعي الثاني ما بين متفائل من الوصول لاتفاق وبين عدم التوقع بالوصول إلى نتائج. الدكتور أيمن عبد الوهاب، خبير المياه وأفريقيا بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، علق على اتهامات أديس أبابا للقاهرة بفشل التفاوض، قائلا إن هذا دليل على تعنت إثيوبيا المستمر وموقفها الدائم في سد النهضة، وأضاف عبد الوهاب لـ(اليوم التالي): “إثيوبيا تحاول التنصل من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي كانت تنظم العلاقة في حوض النيل، ومنها اتفاقية 1959، وهذا يوضح المشكلة مع إثيوبيا بشكل عام واتهام مصر يؤكد هذه النظرية”، مشيرا إلى القبول بالاتفاقيات الدولية لأنها متوارثة وفقا لقواعد القانون الدولي التي تنظم هذه العلاقة، وقال إن فكرة التنصل واستمرار النهج الإثيوبي لن يتغير، ورأى عبد الوهاب أن هذا الموقف لن يتغير وسوف يتطور وأنه لن يحدث شيء في الاجتماع الثاني للتساعي، وقال إن الحل الوحيد والمأمول هو إعادة رسم السياسات في العلاقات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا في إطار الصفقة الكاملة، وتابع بمعنى تكامل في المياه والمشروعات مثل مشاريع الربط الكهربائي وغيرها بين الدول الثلاث، وترتبط في الأساس بالأمن المائي وتعظيم المصالح المشتركة، لافتا إلى أنه غير ذلك سيكون التوتر سيد الموقف، وقال إذا لم تدرك إثيوبيا خطورة الموقف فلابد من تغيير موازين القوى، مشيرا إلى أن تغيير رئيس الوزراء الإثيوبي لا يمثل تغييرا في سد النهضة، مضيفا أن مصر لا تريد اتخاذ موقف القوة ولا تتمناه، مؤكدا أن القاهرة لو كانت تريد تبني القوة لحل الأزمة لانتهجته في فترات سابقة، وقال إن منهج مصر تعاوني تحاول فيه أن تحافظ على حصتها المائية، ولن يتحقق ذلك إلا في إطار تعاوني، مؤكدا أن الاستقرار هو الذي يحقق التنمية.
تفاهم مشترك:
واختلف أحمد الوكيل الباحث في الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام الاستراتيجي مع رؤية عبد الوهاب، وتوقع أن يشهد اجتماع تساعي سد النهضة المقبل بالقاهرة توافقًا بين الدول الثلاث، لافتاً إلى احتمالية مشاركة وفد أمريكي للتقريب بيد الدول الثلاث، موضحا أن مصر تسعى عبر السبل التفاوضية لإتمام تفاهم مشترك وملزم للدول الثلاث، وتضم مصر فيها الحد من مخاطر بناء السد. وأضاف الدكتور عباس شراقي رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، أن توجيه مصر دعوة إلى السودان وإثيوبيا لاستضافة اجتماع تساعي جديد لبحث النقاط العالقة بسد النهضة، يأتي طبقاً لتوصيات قادة الدول الثلاث، مشيراً إلى أن القاهرة مهيأة لاستقبال هذا الاجتماع بعيداً عن إثيوبيا التي مازلت تشهد بعض التوترات الداخلية، مضيفا أن القاهرة تريد الحصول على اتفاق في ما يخص الملء والتخزين بالسد، وأن مصر تسعى للتوافق بين الدول الثلاث حول الدراسات الاستشارية الخاصة بالسد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة