تقرير مصير المنطقتين.. إستحالة قانونية وسياسية مطلقة!

تقرير مصير المنطقتين.. إستحالة قانونية وسياسية مطلقة!

 الأسبوع الماضي عقدت الحركة الشعبية التى يرأسها عبد العزيز الحلو مؤتمرها العام الاستثنائي وكان لافتاً ان المؤتمر الاستثنائي طرح حق تقرير المصير، ولم يكن صعباً على أي مراقب ومحلل موضوعي و منصف ان يدرك و منذ الوهلة الأولى ان

المؤتمر الاستثنائي وملابسات الأجواء المحيطة به كان مخصصاً بكامله لطرح حق تقرير المصير.
صحيح هنا ان الحلو الذي حصل على تفويض بزعامة الحركة فى ثوبها الجديد بعد إقصاء عقار وعرمان كان يتعجل عقد مؤتمر عام ليثبت مذاقاً مختلفاً وربما متخلقاً لزعامته الجديدة. و ربما أراد الرجل  ان يلبس لأمة حرب سياسية مختلفة يتفوق بها على رفاقه القدامى و يأتي بإضافة سياسية لم يجرؤ رفاقه على الإتيان بها من قبل.
كل هذا صحيح فى سياقه السياسي وسياق الصراع الذي كان مكتوماً وتفجر بين قادة الحركة، ولكن أطروحة تقرير المصير هذه وفقاً للمعطيات المتاحة حالياً في الساحة السياسية السودانية يمكن القول أنها ولدت ميتة على الأقل يصعب ان لم يستحيل أخذها مأخذ الجد، فمن جهة أولى، فان أطروحة تقرير المصير حين منحت للجنوبيين فى نيفاشا 2005 كانت تتكئ على رأي سياسي عام فى أوساط القوة السياسية السودانية قاطبة حاكمة ومعارضة اذ المعروف ان قوى المعارضة السودانية ممثلة فى ما كان يعرف بالتجمع الوطني الديمقراطي كانت قد قررت هذا الحق فى (مؤتمر القضايا المصيرية - اسمرا 1995) . بجانب إن الرأي العام السوداني حينها والذي كان ميالاً لإنهاء أطول حرب أهلية فى أفريقيا وجد ان منح هذا الحق للجنوبيين – أيا كانت النتيجة – ربما يسهم فى وضع حد مستدام ونهائي لحرب أهلكت ما اهلكت من المال والبشر واستعصت على الانهاء.
ومن جهة ثانية –وهذا هو الأخطر والأهم– ان المفاوضين فى نيفاشا عام 2005 لم يتطرقوا على الإطلاق لا من قريب ولا من بعيد لمنح المنطقتين -جنوب كردفان والنيل الأزرق- ذات الحق علماً ان منسوبي المنطقتين كانوا على دراية بما يجري من تفاوض، وكان وفد الحركة الشعبية المفاوض يستصحب رؤاهم ويصحب معه ممثلين منهم، وجرى كل شيء تحت سمعهم وبصرهم، فلو كان صحيحاً او حتى ملائماً منح المنطقتين كليتهما أو إحداهما هذا الحق، لكان ظهر ذلك فى بنود الاتفاق، ولكن الذي حدث ان المفاوضين رأوا بقاء المنطقتين ضمن اطار السودان مع منحهم ما عرف بالمشورة الشعبية والتى فحواها معرفة رأيهم عقب انقضاء فترة الانتقال بشأن ما تم انجازه لصالح قضاياهم الخدمية وقضايا التنمية ومجمل أوضاعهم وحقوقهم!
 إذن عدم تضمين المنطقتين في إطار حق تقرير المصير كان موقفاً تفاوضياً و نتيجة نهائية لعملية التفاوض المطولة وهو ما يجعل من إعادة إثارة الموضوع محض مزايدة سياسية لا معنى لها ولا ترتكز على سند سياسي أو موضوعي قانوني.
ومن جهة ثالثة، فإنه وعلى افتراض إمكانية التفاوض حول حق تقرير المصير -مجرد التفاوض- فان أطروحة تقرير المصير كما هي معروفة دولياً ووفقا أحكام القانون الدولي لا تمنح إلا لإقليم كان في الأصل يتمتع بهذا الحق أو كان جزء قائم بذاته وتم دمجه عنوة او طوعاً. فالدولة الموحدة وفق القانون الدولي تظل كذلك وحدة واحدة ولا يجوز تعريضها للانقسام واذا قال قائل ان جنوب السودان نال هذه المزية دون سند من القانون الدولي فهذا صحيح ولكن الفارق ان الإرادة السياسية السودانية هي التى وفترت مجرد الحق فى تقرير المصير ولم تكن منصرفة الى فصل الإقليم ومنحه استقلاله.
وأخيراً، فانه حتى ولو تغاضينا عن كل ذلك فان النموذج المزري و المؤسف الذي قدمته الحركة الشعبية الجنوبية فى دولة جنوب السودان والذي عادت المشكلة المراد حلها أسوأ وأشد مما كانت، يكفي للحيلولة دون تكرار ذات التجربة المريرة، إذ لا احد بوسعه إعادة تكرار تجربة ماسخة عديمة النفع و الجدوى أضافت عبئاً أمنياً للإقليم وللعالم بأسره!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة