السودان وإستراتيجية بناء الأمن الإفريقي المشترك

السودان وإستراتيجية بناء الأمن الإفريقي المشترك

 بعقده للمؤتمر والملتقى الفكري الأول الخاصة بالتحديات الأمنية التى تجابه دول القارة الإفريقية متزامناً مع المؤتمر رقم 14 لقادة الأمن والمخابرات الأفارقة الذي شهدت فعاليته العاصمة السودانية الخرطوم أواخر سبتمبر الماضي؛ يكون السودان قد

شرع عملياً في إرساء دعائم الأمن الإقليمي للقارة الإفريقية. ومن المؤكد ان اهتمام السودان بأمن واستقرار القارة السمراء نابع من صميم اهتمامه بالأمن والاستقرار في المنطقة ومن ثم الأمن الدولي. ولهذا فان تبني السودان لهذه الاستراتيجية الأمنية البالغة الأهمية يمكن قراءته من زوايا إستراتيجية عدة :
أولاً، المعاناة الصعبة التى عاشها السودان جراء الحروب الأهلية الطويلة - جنوب السودان 1955 – 2005، إقليم دارفور 2003  - 2017، الشرق 2003 – 2007، ثم الحروب التى خفت صوتها قليلاً في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق أثبتت للسودان أمراً جوهرياً وحيوياً مهماً، إن الاستقرار إنما يتحقق بالتنمية وحظر انتشار السلاح وبمعالجة القضايا الأساسية من جذورها.
ثانياً، شعور السودان –من وقاع تجربته المريرة– ان هناك (أيادي خارجية) تعبث بأمن دول القارة، تبيع وتنشر السلاح وتحرض و تؤجج الصراعات دفعه إلى مخاطبة جذور هذه العناصر، اذ إن ورشة السيسا التى تضم خبراء تناقش عبر مؤتمرات راتبة قضايا انتشار السلاح، قضايا الجريمة المستحدثة والتدخلات الخارجية وغيرها من المهددات الأمنية، على ذلك فان السودان قرأ منذ زمن بعيدة هذه المعطيات جيداً وأشرك القادة الأفارقة في كيفية مواجهتها، فكانت فكرة إقامة كيان تنظيمي إقليمي يجمع قادة الأمن والمخابرات في دول القارة ليدلوا بدلوهم، ولكي يصبح العمل الإفريقي المشترك عملاً فاعلاً في تأمين حدود دول القارة متصدياً لكل مهددات وتحديات من شأنها الحقا الضرر بأمن و استقرار القارة.
ثالثاً، الدور الإقليمي للسودان لتأمين الإقليم هو بالتأكيد جهد متقدم من هذا البلد لان تأمين السودان وحده لا يكفي حيث ثبت عملياً ان الدول المتجاورة في الإقليم تتأثر بظروف بعضها، وكلنا يرى كيف أثرت حروب المنطقة جنوب الصحراء (ليبيا وتشاد) في انتشار السلاح في دارفور ليتحول إقليم دارفور منتصف ثمانيات القرن الماضي الي حقل ينتشر فيه السلاح والنهب المسلح وليكون نواة للحرب التى دارت رحاها في دارفور. بل إن الأنشطة السالبة للحركات الدارفورية المسلحة في دول الإقليم (دولة جنوب السودان وليبيا) أفرزت واقعاً أمنياً معقداً حين تحولت حركات دارفور إلى حركات مرتزقة ومنظومات مقاولات حربية، تقتات على الدماء و الأشلاء و تبيع بنادقها مقابل المال!
هذه الإفرازات هي دون شك تحديات أمنية خطيرة وصعبة وليس من السهل ان تحتملها القارة الإفريقية، ولهذا فحين يفرد السودان هذا الحيز المقدر من الأوراق العلمية الرصينة من رؤساء أفارقة سابقين وخبراء ووزراء عملوا لسنوات في دولهم و في منظمات دولية فإن هذا معناه ان السودان يؤسس لمنظومة اقليمية أمنية يديرها أصحاب المصلحة من قادة القارة لصالح دولهم وشعوبهم ومنطقتهم.
رابعاً، إصرار السودان على استضافة هذه الملتقيات الفكرية الإفريقية في هذه الظروف المعقدة أيضاً يعكس اهتمامه بقضية ما تزال تؤرق المنطقة والعالم وهي قضية مكافحة الارهاب والكل يعلم ان الارهاب إنما يتغلغل في الدول والأقاليم انطلاقاً من منابت فكرية موبوءة، وأن من الأفضل القضاء على هذه المنابت وهي في مهدها ووضع كافة أساليب المعالجة مبكراً قبل ان تستفحل وتشسع وتصبح وحشاً كاسراً.
مجمل الأمر إن السودان يقود العمل الإفريقي الأمني المشترك لخير وصالح القارة وهو بهذه المثابة يتعاون مع كل دول لعالم بيد بيضاء وعقل وقلب مفتوحين ومن اجل ترسيخ الأمن والاستقرار الدولي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة