كيف حقق السودان هذه النقلة الهائلة؟

كيف حقق السودان هذه النقلة الهائلة؟

 لن يكون سهلاً على الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين المهتمين بالشأن السياسي السوداني استيعاب النقلة هائلة في رقعة الشطرنج المحلي والإقليمي و الدولي التى أنجز من خلالها السودان عدد من الانجازات ذات الوقع والرنين

التاريخي التى نادراً ما يجود بها التاريخ! فقبل نحو من عامين كان السودان يكابد العقوبات الاقتصادية الأمريكية شديدة الأثر والوطأة والإدارات الامريكية المتعاقبة تقسو على هذا البلد وتلهب جسده بسياط الاتهامات و المكايدات.
واليوم تفك واشنطن حظرها على السودانيين لدخول أراضيها وتستعد لإلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه. وقبل نحو من عام أو عامين كان إقليم دارفور مثار تعليقات و أحاديث المجتمع الدولي! الكل يبدي رأيه في ما يسمونها محرقة شبيهة بالمحرقة اليهودية المزعومة! ولكن نجح السودان اليوم في نقل صورة باهرة زاهية للرئيس البشير وكبار معاونيه وهم في عمق (شطاية ، قريضة، وكلمة) في أصقاع دارفور التى التصقت بمزاعم الانتهاكات و جرائم الحرب!
من المؤكد ان مدّعُو محكمة الجنايات الدولية وقضاتها وموظفيها ذهلوا حين رأوا الرئيس في عقم ما كانوا يعتبرونه (مسرح الجريمة)! وربما فرك بعضهم عينيه في محاولة فهم ما قِيل وما هو ماثل الآن! أحد موظفي لاهاي، هاله المشهد فأرسل رسالة عبر تطبيق الفيس بوك لزميلته قال لها (مستحيل.. من المؤكد أننا كنا على خطأ، وربما لا نزال على ذات الخطأ)!
قد فهمت المرسل إليها مضمون الرسالة. لاهاي لم تصدق أن هذا هو مجرم الحرب المزعوم بين مواطنيه وضحاياه داخل أسوار المعسكر، ومتاح لمن لديه حقوقاً في مواجهته! وقبل نحو من عام من الآن لم يكن معروفاً متى تقرر بعثة حفظ السلام المشتركة (يوناميد) وضع إستراتيجية خروج؟ وهاهي الآن تبدأ عملياً في تسليم عدد من مواقعها للحكومة السودانية إيذاناً بالرحيل في إطار إستراتيجية خروج مفعمة بالشعور بالرضا عن درجة الأمن والاستقرار التى بلغها إقليم دارفور.
هي إذن جملة تطورات إستراتيجية بالطبع لم تأتي هكذا مصادفة، وعلى نحو عابر وإنما هي نتاج جهود دبلوماسية ذات نفس طويل، لا تتعجل النتائج، لا تهاب التحديات ، تعمل في صمت، تجادل بالحق، و تقبل وترفض على محجّة حق! لقد أحدث السودان بدبلوماسيته المتميزة تحولات جذرية تاريخية أتاحت له من مجرد قطر بالكاد يحظى بالاحترام الإقليمي والدولي، إلى قطر رائدة في مداواة الجراح، والتغلب على المصاعب والمصائب واكتساب الأصدقاء و تحييد الأعداء.
لقد نجحت الدبلوماسية السودانية في تليين موقف الولايات المتحدة وحولته إلى موقف ناعم الملمس، و نجحت فى محو الصورة الشائهة للسودان ليصبح بلداً رائداً في مضمار مكافحة الارهاب وإدارة الملتقيات الفكرية الهادفة لاستقرار دول القارة والإقليم، استفاد السودان من تجربته المريرة المؤلمة وحولها إلى قاعة درس أنيقة ترفد الآخرين بالرؤى و الأفكار.
وإذا أردنا تفسيراً واقعياً لهذه النقلة فهي دون شك إنما ترجع إلى الإرادة السودانية الصميمة التى عزمت على تجاوز كل الآلام و تطويع كل المثبطات السياسية وإحالتها إلى محفزات، والأهم من كل ذلك قوة الشكيمة وشدة الإصرار على الحق وتطويع المستحيل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة