من بين التعديلات الدستورية التي دفعت إلى البرلمان لإجازتها تنفيذاً
لمخرجات الحوار الوطني، مسألة تعيين رئيس وزراء يتولى إدارة الجهاز
التنفيذي، وتشغل هذه المسألة القوى السياسية والرأي العام لما تنطوي عليه
من أهمية وتحدث لأول مرة في عهد الإنقاذ على مدى سبعة وعشرين عاماً ظل فيها
رئيس الجمهورية هو الذي يرأس الحكومة ويقوم بأعباء إدارة الجهاز التنفيذي.
ونظراً لأن طبيعة النظام الرئاسي الحالي تقتضي هذا النوع من التعديلات حتي
يكون نظاماً مختلطا ًأو يشابه ذلك، فإنه يتوجب النظر بعمق إلى هذه المسألة
وضروراتها وأهمية إبداء ملاحظات من هناك وهناك ومن كل الجوانب حتى نعرف
إلى أين يتجه منصب رئيس الوزراء وكيف يتم تكييف وضعه في ظل السلطات التي
ستفوَّض إليه من رئيس الجمهورية .
> أولا ًرئيس الوزراء الذي سيجيز
البرلمان تعديلاً دستورياً يسمح بتعيينه، ليس هو رئيس وزراء كامل وأصيل
الصلاحيات، فرئيس الجمهورية هو من يعطيه من صلاحياته بحكم أن النظام
رئاسياً وليس برلمانياً يكون فيه رئيس الوزراء منتخباً ويختاره البرلمان،
فالرئيس هو من يختار رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة وتأليفها على
غِرار ما يحدث في مصر او تونس ، ويستطيع رئيس الجمهورية عزل رئيس الوزراء
في أي وقت كما أنه يوافق على توصية البرلمان في حال قرر الأخير عزل رئيس
الوزراء .
> لنعُد إلى لُب الموضوع ، فمن سيكون رئيس الوزراء القادم
..؟ الإجابة ليست صعبة، فالسيد رئيس الجمهورية وهو صاحب الشرعية الدستورية
الراهنة، وهو رئيس منتخب، يجب عليه أن يختار الشخصية التي تناسبه وتتعاون
معه ويعطيها من صلاحياته ويتفاهم معها في كيفية إدارة العمل التنفيذي في
الدولة، مع العلم أن رئيس الجمهورية في ظل النظام الرئاسي الحالي لا يمكنه
أن يترك ويبتعد عن ملفات الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية والحكم
اللامركزي والاقتصاد الذي يعاني من اختلال كبير، فرئيس الوزراء لابد أن
يكون في أعلى درجات التفاهم مع رئيس الجمهورية مع وجوب معرفة تامة بينهما
لتوفير أكبر مناخ من التناغم والتجانس بينهما.
> فرئيس الجمهورية في
الغالب سيختار شخصاً متوافقاً معه، تتوفر فيه ثقة كافية من المجلس الوطني
ومجلس الولايات ، فلا يمكن أن يكون رئيس الوزراء من خارج التركيبة السياسية
الحاكمة وبالتحديد من المؤتمر الوطني في أقل تقدير، بحيث يكون مسنوداً في
قراراته من البرلمان وليس على خلاف في كل صغيرة وكبيرة مع المجلس الوطني،
فلا يمكن أن يكون هناك تنازعاً في تقييم وتقدير الأمور بين الرئيس ورئيس
الوزراء، أو بين رئيس الوزراء والبرلمان، فإذا لم يحظَ رئيس الوزراء بدعم
من نواب الأغلبية في البرلمان فكيف يستطيع إدارة العمل التنفيذي والحصول
على موافقة البرلمان في القضايا التي تُعرض على منضدته .
> على ضوء
كل هذه المعطيات لا يبدو أن الرئيس سيلجأ الى الخيار الآخر الذي يروِّج له
كثير من الناشطين السياسيين وبعض أحزاب الحوار الوطني وبينهم طمَّاعون الى
نيل منصب رئيس الوزراء ويردونه أن يقع بين أيديهم، فالأوفق أن يختار الرئيس
رئيساً للوزراء من حزبه حتى يضمن أن هناك فرص أكبر للتعاون في سد الذرائع
والتنازع وتداخل الاختصاص وممارسة الصلاحيات التي ستكون محددة بالدستور،
بالإضافة الى أهمية وقوف كتلة المؤتمر الوطني بالبرلمان وهي تمثل الأغلبية
في الهيئة التشريعية، مع رئيس الوزراء لدعم برنامجه وتعضيد موقفه .
>
ومن المفيد الإشارة هنا الى أن أي رئيس وزراء يأتي من خارج التركيبة
الحالية وليس على اطلاع بما يكفي ويفيد ، على الملفات الشائكة أو غير ملم
بتفاصيل العمل التنفيذي وما يجري فيه ، سيصعب عليه التأقلم بسرعة مع مكونات
السلطة ومؤسساتها وأجهزتها وتقاطعاتها هنا وهناك، وسيكون من العسير عليه
أيضاً التناغم ومتابعة وملاحقة الإيقاع الموجود حالياً في دوائر السلطة في
كل مستوياتها
تعليقات
إرسال تعليق