عرمان .. مطالبات من لا يملك

 

كعادته يأبى المتمرد ياسر عرمان إلا أن يكون (خميرة عكننة) في المشهد السياسي وآخر تلك العكننة هو إضافته لأسماء لشخصيات سودانية لم يُعرف لها سابق إنتماء أو صلة بالحركة الشعبية قطاع الشمال؛ بصفتهم خبراء أو مستشارين- حسب زعمه – وهو أمر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك

أن قطاع الشمال فى الواقع خال من الكوادر السياسية الحقيقية من جهة، كما أنه يفتقر الى ما يمكن أن يشير الى أنه يمثل السودان قاطبة، وهذه دون شك نقطة ضعف جوهرية لقطاع عرمان ويؤكد فشله السياسي في استقطابه لكوادر مؤهلة تجيد العمل السياسي والإستراتيجي وليس العمل وفق شريعة الغاب وقطاع الطرق كما عقلية عرمان ورفاقه في القطاع .

ومع ذلك فإن الواقع والشواهد تؤكد أن عرمان لم يقم بإستشارة هؤلاء الخبراء الذين لا يستطيعون (عملياً) تقديم النصح والمشورة بشأن قضايا المنطقتين فإن هم فعلوا فقد يواجهوا برفض من قبل أهل المنطقتين خاصة وأن موضوع وأجندة التفاوض لن تتجاوز قضايا المنطقتين.فعرمان بهذه الخطوة المتسرعة ربما كان يراهن على فشل هذه الجولة أو تعثرها على الأقل، وفى هذه الحالة فإن الخبراء الذين استجلبهم -عاجلاً أم آجلاً- سوف يدركون طبيعة الدور الذي يقوم به عرمان أو طبيعة الآلة الأجنبية المحركة له، وحينها إذا ما انسحب أيٍّ من هؤلاء من الوفد فى ذلك خسارة غير ضرورية لعرمان ما أغناه عنها منذ البداية.

والحكومة الآن مطالبة بالتفريق وبشكل بائن، بين قضايا المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق وما يريده المدعو وحركته وقطاعه من قضايا سياسية جعلت من الحرب سلماً ومدرجاً لها.. فقد تبى عرمان ورفاقه بدون وجه حق قضية جبال النوبة والنيل الأزرق ونصبوا أنفسهم حامي الحمى والمدافع والمعبر عنها، وهي قضايا تراكمت تاريخياً عبر الحقب في عهود الحكم الوطني، وتجذَّرت بكل تفاعلاتها الاجتماعية والثقافية في أغوار وعمق المشكل السوداني باعتبارها قضية مركبة يصعب حلها بالحلول التوفيقية الإرضائية السهلة.

ومن هنا لا بد من النظر إلى أن هناك مشكلاً في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لا علاقة له بمطامح وأغراض عرمان ورفاقه الذين تبنوا هذه القضايا من أجل أجندة سياسية ترعاها جهات خارجية في المحيط الدولي، فجنوب كردفان عرفت الاحتجاج والتذمر والتحسس من علاقتها بالمركز والحيف والظلم والتخلف التنموي منذ نهاية الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وعبرت عن هذه القضية أحزاب جهوية مثل الحزب القومي السوداني بقيادة الراحل فيليب عباس غبوش أو تنظيم الكومولو وتنظيمات أخرى، كانت تنظر إلى أن جنوب كردفان مهمشة سياسياً ومظلومة تنموياً، وتتطلب معالجة أوضاعها وفق منظور قومي عادل متفق عليه، ولم تكن تطرح في ذلك الحين أية أطروحات سياسية حادة ومتطرفة ، لكن اليوم يتبناها عرمان ورفاقه، ودخلت في صلب الأجندة السياسية للتمرد، حيث تلعب العناصر الشيوعية كعرمان والحلو ورفاقهم داخل الحركة الشعبية ووسط أبناء هاتين المنطقتين دوراً خطيراً في تفاقمها وصب الزيت على نيرانها الملتهبة.

ولا تنكر الحكومة وفق كل المتوفر من وثائق ومعلومات وأوراق الجولات التفاوضية السابقة ورؤيتها للحل، وجود مشكلة حقيقية في جنوب كردفان والنيل الأزرق تتعلق بالتخلف التنموي والخدمي وضمور المشاركة السياسية والإهمال الذي أصاب المنطقتين عبر الحقب الماضية.

عموما فإن الواجب الوطني يلزم الحكومة ألا تخضع لابتزاز عرمان وقطاعه في الحركة الشعبية الذي تبنى هذه القضية بعد أن أشعل الحرب في جنوب كردفان وخدع أبناء النوبة الذين قاتلوا مع الحركة الشعبية لعشرين عاماً، ولما وصلت إلى اتفاقية السلام الشامل تنكرت لهم وأعطتهم ظهرها واهتمت فقط بالجنوب الذي جعل من أبناء المنطقتين وقوداً للحرب التي دامت عقدين من الزمان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة