دولة الجنوب ... خمسة اعوام ولازال السلام مفقودا

دولة الجنوب ... خمسة اعوام ولازال السلام مفقودا

لازالت دولة الجنوب وبعد خمس سنوات من الانفصال عن السودان تعاني من الصراع الداخلي الذي أفضى إلى أزمة إنسانية قتل فيها الآلاف وشرد أكثر من مليونين، ووسط تدهور الاقتصاد في البلاد اضطرت الحكومة إلى إلغاء الاحتفال بالانفصال للمرة الأولى.
ومرت امس الاول خمس سنوات على انفصال جنوب السودان، ولكن ليس هناك ما يستحق الاحتفال، فاتفاق السلام الذي يفترض أن ينهي الحرب الأهلية المدمرة لا يزال هشا والبلاد على شفا المجاعة، كما تقول وكالة الصحافة الفرنسية في تقريرها.فقد دفع قتل عشرات الآلاف -معظمهم من المدنيين- منذ نهاية 2013 واندلاع الحرب الأهلية الأخيرة التي دمرت الاقتصاد الحكومة إلى إلغاء الاحتفال للمرة الأولى.وما يؤكد هشاشة اتفاق السلام الموقع في صيف 2015 الاشتباك الذي اندلع مجددا مساء الخميس في جوبا بين وحدة المتمردين السابقين المتمركزة بالعاصمة وجنود من الجيش الشعبي الموالي للرئيس سلفا كير ميارديت وأسفر عن مقتل خمسة جنود.
حلّت الذكرى الخامسة لانفصال جنوب السودان الذي كوّن دولته المستقلة في التاسع من يوليو 2011، من دون أن تكون الدولة الوليدة قد نجحت في حل مشاكلها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية العالقة والتي ازدادت تعقيداً، لتخيب آمال وطموحات الجنوبيين في الاستقرار والسلام بعد حرب مع شمال السودان متسلسلة لنصف قرن.
فبعد أقل من عامين من الاستقلال عن السودان الموحد، غرق الجنوب في حرب أهلية اندلعت وسط قادة الحركة الشعبية الحاكمة وقادت لمقتل أكثر من عشرة آلاف شخص فضلاً عن تشريد ما يتجاوز 2.3 مليون نسمة، وفق أحدث تقارير منظمات الأمم المتحدة.
وكان أكثر من 98 في المائة من الجنوبيين قد صوتوا لصالح الانفصال، في ظل قناعة راسخة كانت لديهم بأن الاستقلال عن الشمال سيقود نحو حياة أكثر استقراراً. وهو ما دفع أيضاً آلاف الجنوبيين الذين كانوا يتواجدون في الشمال وحتى في خارج البلاد، إلى العودة لجوبا بحماسة قبل أن تبدد التطورات آمالهم بعد خلافات قادة الحركة وتداعيات الاقتتال، وتطرح من جديد علامات استفهام حول ما إذا كان خيار الانفصال صائباً.
كما أدى اندلاع الحرب في الدولة الوليدة وفشل كافة جهود وساطة الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا "إيغاد" في تحقيق السلام إلى إحباط المجتمع الدولي الذي شجع بقوة الانفصال وتبنى الجنوب.
وكانت "إيغاد" قد أقنعت الأطراف المتصارعة، الحكومة والمعارضة المسلحة، بتوقيع نحو خمس اتفاقيات سلام وأخرى لوقف إطلاق النار، لكنها جميعها ولدت ميتة ولم تجد طريقها إلى التنفيذ.
ويرى مراقبون أن عملية الانفصال التي دفع إليها الجنوبيون دفعاً من قبل قادة الجنوب قد أثرت سلباً على الدولة. ففي الجنوب اشتعلت الحرب الداخلية ولا سيما أنّ العدو المشترك، أي "الشمال"، قد انتفى، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية والإنسانية.
ويرى رئيس مركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا، لوكا بيونق، أن "الاستقلال تحقق نتيجة لنضالات وتضحيات ولفشل سياساتنا كشعبين وفشل الصفوة في الشمال في أن تخلق أرضية لدولة موحدة بقناعة التنوع كأساس يفتخر به. ويلفت بيونق إلى أنّ "الجنوبيين، منذ 1954 كانوا يطالبون بالفدرالية، وفي مفاوضات أبوجا 1993 كانوا يتحدثون عن الفدرالية والكونفدرالية باعتبارها أفضل خيار، أخذاً بعين الاعتبار أنّ الجنوب علماني والشمال إسلامي". ويضيف "لكن وقتها الحكومة في الخرطوم رفضت ذلك تماماً باعتباره انفصالاً مقنناً، إلى أن تحقق الانفصال"، متهماً من سمّاها "الصفوة الإسلامية في السودان" بأنها قادت الجنوبيين إلى الانفصال. ويرى رئيس مركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا أن دولة جنوب السودان بعد خمس سنوات من الاستقلال قد دخلت في ثلاث مراحل انتقالية كانت نتيجتها النهائية الحرب المشتعلة الآن، وهي الانتقال من الحرب إلى السلام في ظل تحديات كبيرة، وثانياً الانتقال من حركة تحررية إلى حركة حاكمة لديها عقلية عسكرية تطغى عليها، وأخيراً التحول من دولة واحدة إلى دولة مستقلة وفقدان قائدها جون قرنق. ويعتبر بيونق أن "ذلك كله تأثر بلعنة البترول وبالمؤسسات الهشة، فضلاً عن أنّ الجنوب دولة مغلقة محاطة بجيران لا يمكن أن يطلق عليهم أصدقاء". ويلفت بيونق إلى أنّ "الحركة الشعبية فشلت في الاستفادة من الظروف المحيطة في خلق رؤى قومية"، مشيراً إلى أنّ الهدف كان الانفصال في حد ذاته من دون النظر إلى القضايا الأخرى، وجاء على حساب المساءلة وتوحيد المؤسسات فضلًا عن مواكبة التحديات، مرجعاً كل ذلك إلى ضعف الحركة الشعبية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة