خطة فصل الجنوب.. تقرير تشريح متأخر وحسرة غير مجدية!

ربما مثل القلق العميق الذي ظل يدفع المجتمع الدولي بإستمرار للوقوف على أطراف أصابعه متوجساً مما قد تحمله الأحداث المتفجرة في دولة جنوب السودان وآخرها حادثة القصر الرئاسي التى سقط جراءها المئات من الضحايا؛ ربما مثل هذا القلق

المفجع جزء يسير من حالة الندم والحسرة التى بدأت تحيط بالذين عملوا على فصل دولة الجنوب وصناعة الحركة الشعبية.
دورية الشرق الأدنى، وهي دورية أمريكية متخصصة تهتم بالأوضاع في الشرق أوردت في 17 مايو الماضي مقالاً مثيراً للشفقة من جهة ومثيراً في ذات الوقت للاستغراب من جهة أخرى.
الكاتب ذي التوجه اليميني المتطرف المعروف (نات فيرجسون) تناول باستفاضة الأوضاع السياسية والأمنية و الاقتصادية في دولة جنوب السودان، وبطبيعة الحال لم يكن المقال ليهمّنا في شيء لو أنه اقتصر على الأوضاع المزرية في الدولة الوليدة، فهي نتاج طبيعي لتخطيط من خططوا لهذه الدولة بسطحية وسذاجة و أعتقدوا أن الحركة الشعبية مؤهلة لإدارتها هم الآن يتجرعون مرارة حصادهم؛ ولكن ما يهمنا في المقال، أن الكاتب وجد نفسه مضطراً -وهذا ببيت القصيد الذي لا مناص منه- للحديث عن الحركة الشعبية قطاع الشمال، باعتبارها (ظلاً) للحركة الجنوبية الأم.
الكاتب وصف الحركة قطاع الشمال بأنها (صناعة سياسية عقائدية غير ناضجة) إبان فترة الحرب الباردة! كما أن دواخلها كانت تضج بخليط من أصحاب المصالح المشتركة، واستغلت جهل اللوبي الكنسي الغربي بالتركيبة العقائدية والإثنية للمكون العسكري والسياسي لقادتهم، مما دفعهم إلى تقديم دعم مالي وسياسي ساهم في تفكيك وإفساد مكوناتها إلى إثنيات!
الكاتب قال بصريح العبارة إن القس (سيرجي) الذي أتيحت له فرصة العمل في السودان لأكثر من 25 عاماً كان الأعلى صوتاً وأكثر إصراراً حين انعقد المؤتمر الشهير لدعم فصل الجنوب قبل عقد اتفاقية نيفاشا، وهو مؤتمر عقد في (ألينوي) الامريكية لهذا الغرض على أن انفصال الجنوب سيكون (كارثة) على الكنيسة بكل طوائفها قبل أن يكون واقعاً مادياً أو وسيلة ضغط على الشمال المسلم المتماسك. القس سيرجي بحسب الكاتب قال إن وجود الجنوب تحت إدارة الشمال المسلم هو الضمانة الوحيدة لاستمرار تدفق المسيحية في شرايين القبائل الجنوبية التى لا يجمعها إلا إرث طويل من الحروب!
ويبدي الكاتب حسرته الشديدة على (صرخات) القس سيرجي التي لم تجد أدنى أذن صاغية والآن وبعد فوات الأوان بدأ اليمين المسيحي (يتحسر) على عدم إصغائه للناصح المسيحي الصالح! والواقع إنه و مع أن مشروع فصل دولة جنوب السودان لم يعد موضع لأي خلاف حلو فشله الذريع، بعد مرور أكثر من 6 أعوام عالية حتى الآن، إلا أن ما يمكن استخلاصه من هذا (الاعتراف المتأخر) بالفشل عدة أمور:
أولاً، إن خطط ومشروعات اليمين المسيحي المتطرف خاصة في حقبة الرئيس الأمريكي (بوش الابن) كلها وإن بدت في حينها برامقة إلا أنها كانت تحمل في جوفها بذرة فشلها سوءا تمثل ذلك في فصل جنوب السودان أو معاقبة السودان ووضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، أو محاصرة وغزو العراق أو غيرها من القرارات الغبية الغاشمة.
ثانياً، إن السودان مع كل ذلك قادر على مداواة جراحه لو تركته الدول الكبرى و شأنه و تعاملت معه بمنطق عقلاني رشيد وبعدالة طبيعية دون زيادة أو نقصان.
ثالثاً، إن السودان سيظل دون أدنى شك صاحب القدح المعلى في الإسهام في إعادة إصلاح الشأن الجنوبي سواء بحكم خبرته بمكوناته المختلفة أو لكونه الأكثر إداركاً لطبيعة النزاع. و على كلٍ فإن الأمر بالفعل يمكن اعتباره بمثابة إقرار جزئي متأخر باختلال الرؤى الغربية حيال أوضاع المنطقة ومدى الظلم الذي ألحق بالسودان!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة