دولة الجنوب... الثمار الدولية المريرة للتآمر ضد السودان!

دولة الجنوب... الثمار الدولية المريرة للتآمر ضد السودان!
لم يكن أمراً مستغرباً أن تصل الأوضاع في دولة جنوب السودان -وهي بعد دولة وليدة- إلى ما وصلت اليه الآن، ولن يكون مستغرباً أن تصل إلى ما هو أسوأ في المستقبل القريب حقاً وسيظل غريباً لعقود وقرون طويلة جداً أن قوى دولية تزعم أنها ذكية
و مدركة ولها إرادة قوية، اعتقدت ان بالإمكان  قيام دولة جنوبية مستقلة و محترمة، و قادرة على النهوض والتطور. وما من شك أن هذه القوى الدولية التى علمت على فصل جنوب السودان وفى مقدمتها الولايات المتحدة ثبت الآن أنها أغبى بكثير من ان يهابها البعض أو يعتقد أنها دولاً متقدمة.
الصراع الجنوبي الجنوبي الذي إنطلق بصفة رسمية بين الرئيس سلفا كير ونائبه مشار لم يكن سوى جبل الجليد لصراع عميق في النسيج الإثني للدولة الوليدة. الفصائل المعارضة في دولة جنوب السودان جميعها تعاني أزمة ثقة و أزمة هوية بين مكوناتها. الاتفاق بين مشار وكير لم يلب طموحات هذه المكونات ولا طموحات الشعب الجنوبي فهناك فساد مريع لم يسلم منه حتى مكتب الرئيس ممثلاً في زوجة الرئيس كير (ماري إيني) التى استولت على ملايين الدولارات من شركة اتصالات! الأزمة الراهنة في دولة الجنوب تتمثل في عدة أمور رئيسة تكشف جمعيها عن أن المؤامرات الدولية التى حيكت ضد السودان وما تزال تحاك إنما هي مؤامرات غبية و ضارة حتى بمن قاموا بحياكتها.
أولاً، لقد ثبت أن اختلاف الهوية او الثقافة ما بين السودان في عمومه والجنوب السوداني لم يكن سبباً منطقياً وموضوعياً لفصل الجنوب وإنشاء دولة مستقلة فيه. فأزمة الهوية زادت و اتسعت رقعتها. لقد فات على القوى الدولية ان المجتمع القبلي الجنوبي المحلي هناك أعقد و أشد تناقضاً فيما بينه بحيث يستحيل ان يتعايش هؤلاء تعايشاً سلمياً. بمعنى أوضح فإن صراع الهوية المفتعل بين السودان وجنوبه تحول بطريقة دراماتيكية إلى صراع هوية داخلي واشد ضراوة من أي صراع آخر .لقد كان محض تفكير سطحي و ساذج أن حل أزمة الصراع بين السودان وجنوبه بفصل الجنوب، فقد بات يتعين تقسيم الجنوب نفسه لتنشئ كل قبيلة دولة خاصة بها!
ثانياً، ثبت أيضاً ان الفرقاء الجنوبيين -بما في ذلك الحركة الشعبية نفسها- ليسوا على قدر المسئولية وأن كل النخب الجنوبية التي ظلت تعتقد أنها ذات شعور بالمسئولية ثبت أنها فاسدة و ترتكز على مكوناتها لقبلية و هؤلاء ليسوا أهلاً للقيام بمهام إنشاء الدولة والمحافظة على استقرارها بدليل ان الوليدة حتى هذه اللحظة لم تتجه لإنشاء جيش وطني محترف، و لم تنجح في المحافظة على البنية التحتية التى وجدوها في دولتهم.
ثالثاً، إن تفكير الولايات المتحدة الذي يسير خلف أمن دولة اسرائيل قادها إلى إنشاء بؤر حروب وفساد في مناطق مهمة من العالم و تعتبر دولة جنوب السودان نموذجاً لهذا الخلل الاستراتيجي المهول. إذ ما من شك ان الدولة الصهيونية وضعت خطة إستراتيجية لتقسيم السودان (محاضرة آفي ديختر) الشهيرة قبل سنوات بتقسيم السودان إلى 5 دويلات! وما من شك أن فصل جنوب السودان هو مقدمة لهذا التقسيم ولكن ثبت أن فصل الجنوب ضرره الأمني و الاستراتيجي أكبر بكثير من ما كانوا يتصورون!
رابعاً، رغم كل ا خلفه فصل الجنوب من أضرار أمنية ما تزال متفاقمة فإن ذات القوى الدولية التى عملت على فصله -للمفارقات- ما تزال تعتمد اعتماداً رئيساً على السودان (الدولة الأم) في محاولة حلحلة الأوضاع المتصاعدة في جوبا؛ إجلاء الرعايا الأجانب، التفاوض والتوسط بين الطرفين المتصارعين، استقبال اللاجئين، المساعدات الانسانية! المجتمع الدولي لم يزد عن الضغط على السودان و تحميله أعباء إضافية على ما هو عليه من أجل محاولة إعادة الاستقرار إلى الجنوب!
هل عقل أن يتحمل السودان كل هذا العبء، بعد أن تحمل لعقود حرباً أهلية طويلة؟ إن أزمة دولة الجنوب أزمة وقع في شباكها المجتمع الدولي، فقد قام بسذاجة بالغة بالسعي لفصل الجنوب وهو (يجهل) غاية الجهل طبيعة هذه الدولة الجنوبية. دولة لا تملك مقومات دولة، وحركة شعبية تصادف أنها هي التى عليها ان تحكم طالما أنها كانت هل التى تحمل السلاح. و الأمر المحزن ان القوى الدولية التى فعلت كل ذلك وقفت الآن عاجزة عجزاً مضحكاً عن الضغط على حلفائها الذين رعتهم منذ الحرب وأوصلتهم إلى الدولة!
ما تزال القوى الدولية الكبرى غير قادرة على السيطرة على قادة الحركة الشعبية الذين كانوا بالأمس القريب يجلسون الساعات الطوال ويستمعون إلى مسئولي هذه القوى الدولية. لقد صنعت هذه القوى الدولية بعبعاً مخيفاً تحول إلى خطر مخيف ينذر بتهديد السلم والأمن الدوليين ومع ذلك ما تزال ذات القوى الدولية تحاول دعم قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة