مشاهد من كواليس أديس أبابا!

كان واضحاً من خلال الصورة العامة أن ما كان يسمى بالجبهة الثورية كانت تحاول الظهور بمظهر متماسك في أديس أبابا. ومع أن الخلاف كان وما يزال أعمق وأكبر من أن تتم مداراته بالنظارات الشمسية السوداء والملابس الثقيلة اللامعة! ولم يكن خافياً على أحد، إن بعض الشخصيات السياسية (من الداخل) والتي هرعت وسارعت إلى السفر إلى أديس، فعلت ذلك من وحي أملها أن تنجح في رأب الصدع -على الأقل في هذا المنعطف التاريخي الخطير- على حد قول الشيوعي المعتق الذي كانت ملامح الخوف والحزن تكسو محيّاه بحيث لم يفلح في إخفاءها.
ولكن بالمقابل فإن ما استطعنا أن نلمسه بوضوح من خلال وقائع هذه المفاوضات وغض النظر عن نجاحها أو إخفاقها عدة نقاط جديرة بالانتباه: أولاً، في حين إن مقصد التفاوض في هذه المرحلة -على المسارين- (المنطقتين ودارفور) كان قف العدائيات وفتح ممرات إنسانية؛ كان هدف ومقصد بعض الذين تسنىّ لهم الحضور كان هو محاولة إصلاح ما جرى في ما يسمى بالجبهة الثورية، ولهذا كان واضحاً أن أحاديث الكواليس وردهات الفنادق أكثر من غيرها!
ثانياً، قطاع الشمال الذي سعى حثيثاً لإرغام الحكومة السودانية على التفاوض معه إزدادت حساسيته تجاه هذه المفاوضات ولم يعد راغباً فيها لأسباب تتصل بمخاوفه من أن يفضي أي اتفاق بينه وبين الحكومة إلى مكاسب قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع، فضلاً عن خسرانه لبقية رفاقه في الحركات الدارفورية. مخاوف قطاع الشمال من المفاوضات باتت من الوضوح بحيث يمكن قراءتها في ملامح وتقاطيع وجه عرمان وحركة عينيه.
ثالثاً، الثلة السياسية من الذين نادراً ما تسمع لهم حس سياسياً هنا بالداخل، والذين وصلوا إلى أديس في ثياب وتحت صفات (خبراء) لم ينجحوا في مداراة صفاتهم الحقيقية، ومع أن هذا في حد ذاته يكمن احتسابه مكسباً سياسياً عاماً لصالح الحوار الوطني إجمالاً، إلا أن التساؤل يظل قائماً حول طبيعة الضرورات التي تجعل أمثال هؤلاء (مجرد خبراء) بينما هم في الواقع يمثلون أحزاباً سياسية معروفة! فإذا كان (التخفي) في شأن من الشئون تفرضه ضرورات معينة، فإن الشأن السياسي عادة ما من ضرورات تفرضه! 
رابعاً، وصول بعض الساسة وهم لا يحملون أي صفة، لأي طرف من الأطراف ولا يمثلون طرفاً من أطراف العملية التفاوضية يثير هو الآخر التساؤل حول (المانع الموضوعي) الذي منع هؤلاء من الانخراط في الحوار الوطني طالما أنهم تواقون إلى حل سياسي سلمي! هل يا ترى دوافع هؤلاء الاحتماء بحملة السلاح؟ هل كان ولا يزال هدفهم الاستقواء بالحركات المسلحة؟
إجمالاً يمكن القول إن الصورة في أديس تثير الاستغراب، ساسة وخبراء يمثلون قوى سياسية معروفة لم ترق لهم المفاوضات والحوار إلا في الخارج وعلى موائد أجنبية! وتلك بحد ذاتها أزمة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة