الثورية.. إعادة الهيمنة بدلاً عن إعادة الهيكلة!


لن يكون السؤال المنطقي هو لماذا فشلت اجتماعات إعادة الهيكلة للجبهة الثورية ولكن السؤال الأكثر منطقية هو، وما الجسم الذي تريد الثورية هيكلته من الأساس؟ ذلك أن ما يسمى بالجبهة الثورية ليست بأكثر من كونها قطاع الشمال (أحد مخلفات الحركة الشعبية الجنوبية) مضافاً إليها قادة الحركات الدارفورية المسلحة مع بعض القادة السياسيين من أحزاب تقليدية يمثلون أنفسهم مثل التوم هجو ونصر الدين الهادي المهدي.

قطاع الشمال هو المهيمن الرئيسي على الجبهة الثورية (صاحب رأس المال) وحلقة الوصل الرئيسية بينها وبين الممولين الكبار. ومن الناحية النظرية فإن النظام الأساسي للثورية يمنح حق الرئاسة لكل المكونات المسلحة المشاركة فيها على نحو دوري وراتب، ولكن من الناحية العملية وطوال أربعة أعوام مضت فإن قطاع الشمال وحده –دون سواه– هو الذي ظل يحكم سيطرته على قيادة الثورية ممثلة في مالك عقار!

 الحركات الدارفورية المسلحة –بحسب خطة إنشاء الثورية– هي (الوقود الحيوي) للثورية وينبغي –بحسب المؤسسين، استخدامها الاستخدام الأمثل في حروب الثورية، ولهذا فإن من الطبيعي أن يتحاشى قادة قطاع الشمال تسليم الرئاسة للحركات الدارفورية المسلحة ليصبح جنود قطاع الشمال هم الوقود الحيوي!

 المطلوب هو العكس تماماً وهذا يفسر سر إجبار الحركات الدارفورية المسلحة على خوض الحرب الدائرة في دولة جنوب السودان بين الفرقاء الجنوبيين وإحجام قطاع الشمال  عن المشاركة فيها، إذ أن الأمر هنا يتعلق بـ(مهمة قذرة) يجب أن يقوم بها آخرين!

 الدعم المالي يمثل احد أهم عناصر الصراع والبقاء داخل الجبهة الثورية؛ ولعل أكثر ما حفز قادة الحركات الدارفورية المسلحة الدخول في تكوين الثورية هو (الدعم المنتظم) الذي قيل لهم حينها أن هذا الدعم سيكون متصلاً عن طريق (صراف محلي) يتمثل في الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني!

 في البداية ولشهرين أو ثلاث كان الدعم بالفعل منتظماً رغم أنه مهيناً ومذلاً ولكن بعد ذلك لم تعد الأمور كما كانت. واحدة أيضاً من أصعب القضايا إعادة الهيكلة شعور الحركات الدارفورية المسلحة أن قطاع الشمال يحصل على كل شيء، إذ أن لديه (معاملة خاصة) من الحكومة الجنوبية! كما أنه لديه دعم راتب ومخصوص من الولايات المتحدة وأقمار اصطناعية ومعدات استشعار ولديه أيضاً منبر تفاوضي خاص تم إنشاؤه له بقرار دولي صادر عن مجلس الأمن، بينما هي -أي الحركات الدارفورية المسلحة- بالكاد يتذكرها أحد!

فإذا ما جرت عملية إعادة الهيكلة بمثل هذه المعطيات، فإن من المحتم أن تتحول الحركات الدارفورية المسلحة إلى (عمال نظافة) عملهم الأوحد هو تنظيف مناطق تحركات قادة الثورية! أما أسوا عوامل فشل إعادة هيكلة فهي ارتباطات الثورية بقادة سياسيين لديهم مواقف مبهمة ومزدوجة. ولا شأن لنا هنا بإيراد الأسماء فيه معروفة تماماً لدى القادة الكبار في الثورية، ولكن أسوأ ما في هذه الأسماء اللامعة أنها وساعة أوان الجد (ميثاق الفجر) أو (إعلان باريس)، أو أي من المواقف الصعبة فهي تتحول إلى أشباح!

وأخيراً فإن تلك بعضاً من أسباب معوقات إعادة الهيكلة ولكن حتى معطيات وحقائق الواقع الآن على الأرض لا تتيح لقادة الثورية ترف إعادة الهيكلة هذا، فميادين القتال فقدت فيها عنصر المبادأة وما من هزيمة إلاّ وتبعتها هزيمة أشد، وجنود وقوات الثورية كما حدث في مثل هذه الحروب الفاشلة دهمتهم فوبيا الحرب والمواجهة مع قوات الدعم السريع، التي تعرف مسبقاً كيف تحسم المعركة لصالحها في سويعات تاركةً جنود الثورية ما بين مصدق ومكذب!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة