لا يجيدون الفعل السياسي ولا ردّ الفعل السياسي!

بعدما أهدرت فرصة الحوار الوطني فى حينه وبمعطياته الأفضل العام الماضي، ثم أهدرت فرصة الاستحقاق الإنتخابي عن عمد وسبق إصرار، ودون مبررات منطقية مقنعة في ابريل الماضي؛ هاهي الآن قوى المعارضة السودانية -بكافة مسمياتها- توقف أنشطتها السياسية وتتوقف عن التفاعل مع القضايا الوطنية المختلفة.

هذا الموقف الذي ربما (أراحها) بدرجة ما في ظل البون الشاسع ما بين قدرات هذه القوى المتواضعة والتحديات السياسية الكبرى التى تواجهها، ولكن بالمقابل فإن موقف اللاموقف هذا يمكن اعتباره -بكل أسف- بمثابة الحجارة الكبيرة التى عادة ما توضع على الشق الأدنى من القبر قبل إهالة التراب!

صحيح ان التحديات الموجودة جسام وشاقة ولكن بلا ادنى شك ان هذه التحديات من أقصاها الى أدناها هي تحديات تتصل بالدرجة الاولى بمدى استعداد هذه القوى لتجديد نفسها وتغيير مفاهيمها التقليدية ومواكبة روح الواقع بكافة معطياته حتى ما كان مستغرباً لديها بحسب نظرتها. ففي الوقت الذي نجح فيه الوطني الى حد كبير في إدخال اصلاحات ملحوظة على بنيته وأحدث جرحاً وتعديلاً هنا وهناك وطوّر هياكله واتجه لإصلاح الدولة بجهده الذاتي وبمعاونة من يشاطرونه المسئولية وما فتئ يحقق نجاحات على صعيد علاقاته الاقليمية والدولية بحيث صار من المتعذر عملياً تجاوزه في أي تسوية او مساومة تاريخية قد تأتي؛ فإن قوى المعارضة بالمقابل ما تزال على ذات اوضاعها القديمة بل اكثر سوءاً وهي تنتظر فترة انتقالية ضنّت بها السنوات وحجبتها حقائق الواقع!

ولمن يريد أن يقف عن قرب على طبيعة الذهنية السياسية لهذه القوى (في مرقدها الحالي) بالداخل، فلينتظر عودة المهدي! قوى المعارضة المغلوبة على أمرها لا تجيد انتقاد ومخاصمة أحد كما تجيد انتقاد ومخاصمة الصادق المهدي! صحيح ان المهدي بما عُرف عنه من اخفاقات مهولة وأخطاء قاتلة لم يدع موضعاً لأحد كي يثني عليه، ولكن في ذات الوقت فإن القوى المعارضة حين تجعل من منصة المهدي، منصة مفضلة لإطلاق النار عليه إنما تكشف عن أقصى مكامن ضعفها، فهي لا تبدأ باتخاذ المواقف المضادة إلا حين يقف المهدي موقفاً، وليس أدل على ذلك من مواتها الحالي، وسباتها العميق، وما إن يطل الرجل حتى تصحو لا لشيء إلا لكي تتبارى معه فى نيران صديقة!

ومن المعروف في الوقت الراهن أن تحالف قوى الاجماع مات منذ اكثر من عام، كما أن كل الوثائق القديمة من لدن البديل الديمقراطي، ووثيقة الفجر الجديد، وإعلان باريس وإعلان أديس، ماتوا تباعاً بذات الداء؛ داء اتخاذ مواقف ورقية بعبارة كبيرة، في ظل شح الموارد اللازمة لسداد قيمة هذه المواقف نقداً.

كل قوى البعث بشقيه، الشيوعي، المؤتمر السوداني، العدالة، وبعض (الجيوب) الخلفية الصغيرة هي الآن (نائمة) ولا تملك مبادرة وطنية جادة ولا اطروحات سودانية ذات نفع، ولا تكلف نفسها -لولو لساعة- الاقتراب من قضايا السودان بنيّة وطنية خالصة تجتذب انظار المواطنين السودانيين. قوى تنتظر الفعل فقط لتصبح به مجرد نقطة في آخر السطر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة