على الرغم من ان العديد من القوى السودانية المعارضة لا تحتمل ان توصف بأنها لا تتعامل في عملها المعارض بوطنية وموضوعية متجردة، بل وتعتقد هذه القوى -لفرط اعجابها بنفسها- أنها اكثر وطنية من القوى الحاكمة، إلا أن العديد من المحكّات على الأرض، تقدح فى هذه الفرضية.
ولكي لا يكون قولنا على عواهنه، فإننا في هذه العجالة نتطرق لأمر واحد فقط يمكننا من خلاله ان نثبت ان القوى السياسية المعارضة، خاصة تلك التى تنشط في الداخل، إما أنها غافلة عن متابعة مجريات الأمور، وهذه منقصة سياسية كبيرة للغاية؛ أو أنها لا تتمتع بالقدر اللازم من الوطنية والموضوعية، ولا شك أنها في كلتا الحالتين لا تقوم بواجبها الوطني كما ينبغي!
المثال الذي نعتمد عليه على قدر كبير من البساطة حيث تطرح الحكومة السودانية برنامجاً استراتيجياً لإصلاح الدولة. البرنامج الاصلاحي هذا عمره تجاوز العام حتى الآن، فهو أيضاً من مواليد خطاب الوثبة الشهير في يناير 2014، وهو يستهدف كافة مناحي الحياة فى الدولة السودانية، الاقتصاد، الخدمة المدنية، العدالة الإجتماع، الثقافة، ويقوم البرنامج بصفة خاصة على فرضية المراجعة الشاملة، واصلاح المعطوب وتجديد القديم البالي وفتح مسارات جديدة للتطوير والتحديث.
وظل الاعلام السوداني الحكومي وغير الحكومي يتطرق للاجتماعات العديدة والتي جرت في هذا الصدد واللقاءات والورش والسمنارات التي تناقش قضايا عملية بحتة في حاجة الى المراجعة والتطوير والاصلاح. اذا أُعدت الاخبار الموثقة التى تناولت حراك اصلاح الدولة لمدة 6 أشهر فقط والأوراق التى قُدمت والبحوث التي نوقشت والتوصيات التى تم اصدار قرارات رئاسية فورية بها سوف تصيبك الدهشة حقاً. فالذي تم الفراغ منه والذي يجري العمل على اصلاحه يفوق التصور. ولا حاجة لنا هنا للمبالغة ولا لممالأة أو منافقة أحد، فقد كان مبحثنا ومكمن متابعاتنا اللصيقة، هي أضابير أجهزة الدولة ملفاتها الاستراتيجية المهمة.
هذا الاصلاح استراتيجي متدرج ولكن أهم ما يميزه على الاطلاق الجدية الكاملة غير المسبوقة ولا شك حين تتكامل عملية الاصلاح هذه فإن الكثيرين سيتجاوز بهم الواقع الى فضاءات الخيال! ولعل ليس هنالك من دليل مادي دامغ على أهمية برنامج الاصلاح هذا من أنه تحت أشراف مباشر وحازم من الرئاسة وليس أكثر دلالة وأعمق من كل ذلك أنّ الفريق بكري حسن صالح، نائب الرئيس عقد ظهيرة الاثنين الفائت مؤتمراً صحفياً نادراً جداً تناول فيه كافة جوانب عملية الاصلاح هذه بطريقته الحازمة الجادة المعهودة التي بدون شك عنت الكثير.
برنامج اصلاح الدولة فى جوهره هو أكبر عامل موضوعي حاسم ومساعد لعملية الحوار الوطني، أيِّ سياسي حصيف متحلِّي بالموضوعية ومهما بلغت درجة خصومته مع السلطة مما يشرح صدره أن تتولى الحكومة من تلقاء نفسها عملية اصلاح الدولة وإعادة ترتيبها وتحسين اداءها العام في كافة المناحي. وذلك ببساطة لأن اللدولة اكثر عمقاً واتساعاً من الحكومة، ولأنَّ الدولة فى خاتمة المطاف هي خشبة المسرح الثابتة التي يتحرك عليها الكل وهي الأبقى.
ولو كان صحيحاً ان القوى السودانية المعارضة ذكية بالقدر الكافي ولماحة لدعمت بقوة صراحة وضمناً هذا البرنامج الاستراتيجي لأن ذلك كان وما يزال من الممكن ان يوفر لها مشقة وعناء عملية الحوار، فهي بشكل أو آخر معنية بهذا البرنامج باعتباره برنامج وطني لا يخص أي لون سياسي بعينه، ولكن فيما يبدو ان القوى السياسية تفهم الامر مبتدأً ومنتهىً بأنه حوار من أجل تفكيك النظام وإقامة فترة انتقالية ثم انتخابات عامة!
تعليقات
إرسال تعليق