> في خطوة مهمة تعزِّز دور السودان القاري، وتعيد له سابق ريادته في أفريقيا، تستضيف الخرطوم اليوم المؤتمر التأسيسي لجناح المرأة في مجلس الأحزاب السياسية الأفريقية، الذي يتخذ من الخرطوم مقراً له. وتشارك في المؤتمر 68 حزباً من البلدان الأفريقية من أربعين دولة، وضيوف من القارة الإبيرية يمثلون بعض بلدان أمريكا الجنوبية، وأحزاباً من قارة آسيا، ويستعرض المؤتمر ثلاث أوراق حول المشاركة السياسية للمرأة ودورها في التنمية وبناء السلام وتجربتها السياسية، وتكون هناك برامج مصاحبة وفعاليات مختلفة، ويخاطب السيد رئيس الجمهورية الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي يستمر ليومين.
> من المفيد النظر إلى أهمية مثل هذه المؤتمرات وأثرها في تقريب وجهات النظر بين الأحزاب السياسية في القارة، وتبادل الخبرات والتجارب، لتشابه الواقع الأفريقي وتحدياته وقضاياه المتعلقة البناء السياسي والنهضة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولا يمكن التغافل عن دور المرأة الأفريقية في تشكيل وصناعة الواقع وسط محيط متلاطم من المشكلات والصراعات والحروب والأزمات والكوارث البيئية وجائحة الأمراض والتخلف.
> لقد عانت المرأة الأفريقية الكثير وتحملت أوزار الخيبات في القارة في جميع مجالاتها، ودفعت فواتير ضخمة من آثار النزاعات المسلحة والصراع الدموي في بلدان القارة وأحزمتها الملتهبة، فقد كانت حياتها في كثير من الدول نتاجات النزوح واللجوء والاختطاف، وظلت على الهامش السياسي عقوداً طويلة رغم دور المرأة في عملية التحرير والتخلُّص من قيود الاستعمار التي أدمت معاصمها وجسدها، وقد شقَّت المرأة الأفريقية طريقها بقوة لانتزاع حقوقها وتبوأت مكانتها بجدارة وصارت رقماً لا يمكن تجاوزه في الحياة السياسية، وكفة راجحة في العمليات الانتخابية والاستحقاقات الديمقراطية، وعنصر فعال في كيمياء التحوُّلات الاجتماعية والسياسية في القارة.
> وعندما تستقبل الخرطوم هذه الوفود النسائية الأفريقية، وتبدأ مؤتمرها اليوم، فإنها ترسم معالم طريق جديد، تخطه هذه العاصمة الأفريقية الصميمة بتمازجها وتاريخها الطويل في مناصرة قضايا القارة، فقد دعم السودان وساند بقوة كل حركات التحرر في أفريقيا، ولعب دوراً مهماً في محيطه القاري عندما بدأت رياح الاستقلال والتحرير تهب على بلدان أفريقيا، ووقتها كان السودان حراً أبياً على جبينه تسطع شمس الحرية التي نالها كأول بلد في أفريقيا جنوب الصحراء ينال حريته..
> لم تكن المرأة في أفريقيا وبالتحديد في السودان بعيدة عن النضال الأفريقي لطرد الاستعمار، فقد كانت في السودان سبَّاقة إلى الوقوف رجلاً برجلٍ مع الرجال في مواجهة المستعمر، ونالت قصب السبق في أفريقيا بهذا الدور المتقدم، وصارت ملهمة لكثير من الأفريقيات كما تقول وثائق تاريخية ومرويَّات عديدة. ولم تكن المرأة السودانية لتتخلف عن الركب في كل منحى من تاريخ السودان، فقد عرفت المشاركة السياسية والتمثيل النيابي في البرلمانات قبل دول عريقة وكبيرة في القارة الأفريقية، وتقلَّدت مواقع سياسية وتنفيذية ودستورية في أوقات لم تعرف فيها المرأة في أفريقيا طريقاً إلى الحياة السياسية والمناصب في الأدوات الحكومية ومؤسسات الدولة.
> يتعزز دور الخرطوم في العمل الأفريقي المشترك كل يوم، فوجود مقر مجلس الأحزاب السياسية الأفريقية في السودان، لهو دليل قاطع على أن القارة جعلت مركز نبضها السياسي وصناعة توجهاتها في عاصمتنا المتطلعة إلى راهن جديد في القارة، تتجسد فيه الآمال والمطامح للشعوب السمراء في تغيير واقع الاستلاب والتبعية والحلول التي تفرض على قارتنا من خارجها.
> فالقارة تعاني من الهيمنة والتدخلات الأجنبية ونهب الثروات وجعلها بؤرة للتخلُّف والجهل والفقر والمرض، وفي باطن أراضيها تكمن المواد ونفيس المعادن، فلا يمكن لأفريقيا أن تنهض وتجاه تحدياتها وتتخلص من أزماتها دون أن تتوحد إرادتها وتقوى عزيمتها وتستعد للمواقف الفاصلة.
> هذا اليوم هو يوم المرأة الأفريقية، لتقول فيه كلمتها للتاريخ، وقد علمتنا المرأة في قارتنا إنها قدر التحدي وعلى أُهبة الاستعداد من أجل أفريقيا الجديدة..
تعليقات
إرسال تعليق