قال السيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة القومي في تصريحات لقناة الشروق من مقر منفاه الاختياري بالعاصمة المصرية القاهرة الاسبوع الماضي إنه سيعود الى السودان (دون الحاجة الى ضمانات) و (دون قيد أو شرط) وأنه أبلغ الحكومة السودانية -عبر اتصال بينهما- بذلك!
وكعادة المهدي ومنذ خروجه لما يقارب العام لم يشأ تحديد موعد قطاع لهذه العودة، غير ان الجديد هذه المرة بشأن (طبيعة مهام الرجل) التى إقتضت ان يمكث كل هذا الوقت في الخارج أنه حدد (عدد) المهام التى يقوم بها ولم يكملها أحد بعد، حيث حددها بأنها 3 مهام!
وهي المرة الاولى التى يكشف فيها الرجل عن (عدد) المهام دون ان يتطرق الى طبيعة المهام نفسها! ولا شك ان مجرد إقرار المهدي بأنه سوف يعود دون ضمانات، ودون قيود أو شروط يمكن اعتباره فى حد ذاته تطور ايجابي مهم، وإن كان من غير المفهوم إشارته الى (إبلاغه) للحكومة السودانية بذلك رغم أنه أكد في ذات التصريحات (ان النظام يتصرف كما يشاء ونحن نتصرف كما نشاء)! إذ أنَّ هذه الاشارة الإلتباسيّة والمرتكبة تشي بالكثير.
ولكن دعونا نتجاوز كل ذلك طالما ان المهدي ظل على الدوام يقول الشيء ونقيضه فى ذات العبارة الواحدة بحيث يصعب على أي مراقب التعامل مع تصريحاته بجدية، ولنمضِ بإتجاه محاولة تفكيك ذهنية المهدي الحالية وهو يقوم أو يحاول القيام بمهامه الثلاث التى أشار اليها.
فمن جهة اولى فإن النقطة المركزية بالنسبة للسيد المهدي هي الحوار الوطني، ومهما كابر الرجل وغالط بشأن نقاط نزاعه معه الحكومة السودانية فإن النقطة الجوهرية هي الحوار الوطني والكل يعلم الحماس المتقد للرجل لهذا الحوار وإتجاهه إليه. بل يمكننا ان نبدو أكثر مرونة مع الرجل ونقول انه ربما كان مقصده من إلتقاء الثورية في باريس وأديس لهذا الحوار.
حسناً، ما هي المعطيات المهمة (الموجودة بالخارج) التى من الممكن ان تخدم قضية الحوار الوطني هذه وتفكيك سلطة الحكومة السودانية؟ بمعنى أدق، هل هنا (زر) بالخارج يضع المهدي أصبعه عليه، أو تضع جهة أجنبية أبهامها عليه فينعقد الحوار الوطني؟ لو قلنا -جدلاً- إن هذا الزر السحري موجود فعلاً وأن المهدي قد اقترب من الضغط عليه، لماذا إذن جلس الرجل عقدين ونيف ولم يسع خلالها الى الضغط على هذا الزر السحري؟
لو قلنا ان المهدي -ضمن مهامه الثلاث- هذه يسعى الى استقطاب الحركات والقوى المسلحة الى الحوار -جدلاً أيضاً- لماذا لم يستعين الرجل بقوى سياسية أخرى، بل ولماذا لم يقم بهذا الدور التاريخي، إنطلاقاً من الخرطوم؟ واذا كانت العملية كلها (عملية اتصالات) ما الفرق في ان تجري في عاصمة الدولة نفسها؟ بل لو ان هذا كان صحيحاً -جدلاً أيضاً- لماذا اكتفى المهدي بتوقيع اعلان باريس وأديس، ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم بالنسبة له وهو في القاهرة لا يغادرها إلا نادراً؟
ولو قنا ان المهدي يتفاوض مع الحكومة السودانية (عن بعد) على عدة أمور تهم السودان وقضية الحوار والمستقبل؛ هل يعقل لمن كان متاحاً له الجلوس الى الحكومة بالداخل ان يحقق (عبر الهاتف) ما عجز عن تحقيقه كفاحاً من الداخل؟
من المؤكد أن قضية المهام الثلاث التى اشار اليها المهدي ليست قضية استراتيجية ولا هي بكل هذا القدر من الاهمية، وهي لا تعدو كونها محاولة من السياسي الثمانينيّ الحائر لشغل الرأي العام. وأخيراً ترى إذا كان ما يقارب العام غير كافية لرجل ذي خبرة مثل المهدي لانجاز ثلاث مهام خارجية ما هو إذن معيار الخبرة والمهارة فى حزب الامة القومي؟
تعليقات
إرسال تعليق