تقرير مصير مناوي!

مني أركو مناوي بدا كمن يقرر مصيره ومصير حركته، فقد قال مؤخراً إن إقليم دارفور يطالب بتقرير مصيره! ومع أن الرجل يمكن اعتباره مذعور كونه كان وقتها (بمزاج سيء) وهواجس سياسية وعسكرية أسوأ جراء الضربات المتلاحقة التي ظل يتلقاها حملة السلاح في دارفور وفي جنوب كردفان على يد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أن هذه المطالبة اليائسة رغماً عن كل ذلك تستوقف كل مراقب، فهي:

أولاً، تعطي خارطة واضحة لضيق الأفق السياسي في ثنايا هذه المطالبة أنّ الرجل يعيش حالياً -وعن قرب- مأساة دولة جنوب السودان المتطاولة حيث حاق الدمار الماحق -بلا استثناء- الكل، الجيش الشعبي، البنى التحتية، النفط، المدن، المرافق العامة، والأسوأ من كل ذلك أن دولة الجنوب -التي قررت مصيرها حديثاً- تحولت إلى أكوام من المليشيات المسلحة تمارس فوضى القتال، فالكل هناك ضد الكل والأكثر سوءاً من كل ذلك، أن دولة الجنوب ساعة الانفصال كانت تملك جيشاً شعبياً واحداً وكان القادة هناك -على قلة خبرتهم وحنكتهم- تحت لواء واحد فما بالك بحركات دارفور وهي بالعشرات!

كيف سيكون الحال إذا ما تقرر فصل إقليم دارفور وهو يعج بهذه الحركات المسلحة وبذات المعطيات القبلية الصارخة؟ مناوي في هذه اللحظة يستغل حالة الفوضى الضاربة بأطنابها في دولة الجنوب ويعمل في مجال (المقاولات العسكرية) ويخوض الصراع تحت صفة (مرتزق)! كيف لمثل هؤلاء -وهم بلا أخلاق سودانية دعك من أخلاق أهل دارفور- أن يتطلع لتقرير مصير؟

ثانياً، مناوي نفسه -وطبعاً ليس غيره- خاض تجربة العملية السلمية في أبوجا 2006 وجاء إلى الخرطوم مسالماً وأصبح شريكاً في إدارة الدولة، ترى ما هي انجازات الرجل في المدة التي قضاها في الخرطوم؟ أين هي الحنكة السياسية والقدرات الإدارية لرجل جلس في القصر الرئاسي المطل على النيل لسنوات وكان يتسنم -بروتوكولياً- مقعد الرجل الرابع في السلطة الحاكمة في الخرطوم؟

كيف لسياسي فشل في التأقلم مع نفسه ومع من حوله، أن تساوره أحلام كهذه تقتضي دربة سياسية وأفقاً سياسياً واسع النطاق ونظر للمستقبل؟

ثالثاً، حتى هذه اللحظة وربما لسنوات قادمة سيظل مناوي وجبريل إبراهيم وعبد الواحد غير قادرين تماماً على الجلوس على مقعد الرئاسة في ما يسمى الجبهة الثورية، إذ مع أن الرئاسة في الثورية -بحسب النظام الأساسي- دورية إلا أن هؤلاء الثلاثة العاجزين قولاً وعملاً لم يتمكنوا حتى الآن من المطالبة بحقهم بموجب النظام الأساسي! بل إن عرمان والحلو وعقار وجدوا سهولة بالغة في إقناعهم بالقتال إلى جانب الرئيس الجنوبي سلفا كير في الصراع الجنوبي الجنوبي، لقاء حفنات من المال والسلاح والعتاد!

إن تقرير مصير حركات دارفور المطلوب الآن وبسرعة ينبغي أن يتركز في إنعتاق رقبة هؤلاء من قيود قادة الثورية وقطاع الشمال وتعليمات موسيفيني وسلفا كير التي لا تقبل الجدل، ينفذها مناوي وجبريل وعبد الواحد بلا أدنى مناقشة!

المضحك في الأمر بشأن مطالبة مناوي أنه لم يجد إلى الآن من (يجامله) فيها مجرد مجاملة من بقية رفاقه في الحركات الدارفورية المسلحة الأخرى وربما لهذا السبب قيل أن القادة الدارفوريين يطلقون عليها تندراً بمبادرة مناوي لتقرير مصيره!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة