هل صحيح إن الجبهة الثورية باتت تفكر بجدية في التخلص من حركة جبريل إبراهيم بعد أن تلقت الأخيرة هزيمة ماحقة قوز دنقو مؤخرا؟ وما هي حيثيات هذه الاتجاه، وما هي خيارات جبريل؟ الواقع إن حركة جبريل حتى ولو بعيداً عن هزيمتها الأخيرة باتت بالفعل تشك عبئاً على ما يسمى بالجبهة الثورية شأنها شأن بقية الحركات الدارفورية المسلحة التي استدرجها ما يسمى بقطاع الشمال لكي ما يستخدمها وقوداً حيوياً للحرب ريثما تدين له الأمور ومن ثم يكون لكل حادث حديث، بل إذا شئنا الدقة فإن الثورية في مجملها ليس سوى إطار عام تفتقت عنه أذهان غربية لإعطاء قطاع الشمال بصفة أساسية صبغة قومية لتكرار نموذج نيفاشا مستقبلاً.
ولمن أراد أن يستزيد فليعد إلى الظروف التي ولدت فيها الثورية والذين أشرفوا على ولادتها والأهداف التي رسمت بعناية لتحقيقها في غضن 10 أعوام لا تزيد! تلك قصة أخرى لا يتسع المجال للخوض فيها، ولكن بالعودة إلى طبيعة العلاقة بين المكونات الدارفورية المسلحة وقطاع الشمال فإن استغلال الأخير لهذه المكونات المسلحة -لأغراض تكتيكية- لا يخفى على أي مراقب، وعلى ذلك فإن بإمكاننا ملاحظة الآتي:
أولاً، تلاحظ بوضوح أن قادة القطاع الثلاثة المعروفين (الحلو وعقار وعرمان) تحاشوا طوال السنوات المنصرمة إتاحة الفرصة للقادة الدارفوريين لرئاسة الثورية رغم النص الواضح للنظام الأساسي للثورية الذي ينص على رئاسة دورية!
من الطبيعي هنا أن يكون الهدف من ذلك هو إحكام السيطرة -سياسياً وعسكرياً- على حركات دارفور المسلحة لأن الأولوية هنا لقطاع الشمال.
ثانياً، تلاحظ -وبوضح- أن قطاع الشمال تحاشى تماماً الخوض في الصراع الجنوبي الجنوبي وأناب بدلاً منه هو الحركات الدارفورية المسلحة وركز بصفة خاصة على حركة جبريل! من الواضح هنا أن حركة جبريل جرى استخدامها على هذا النحو لإبعادها عن إقليم دارفور تماماً من جهة، ولإحراقها أو إلحاق أذى كبير بها جراء الحرب (وهو ما حدث بالفعل في قوز دنقو)!
ثالثاً، ليس من المستبعد بالتأكيد أن يكون مقصد قطاع الشمال، وهو إنهاء الوجود الفعلي للحركات الدارفورية لفتح الطريق أمام القطاع -وحده- مستقبلاً لكي يتسيد الساحة. الأمر هنا شبيه بموقف الحركة الشعبية على أيام شراكتها عقب نيفاشا 2005 من حركات دارفور حين نأت تماماً عن لعب أي دور في حل أزمة دارفور!
الحركة الشعبية الجنوبية في ذلك الحين كانت تباعد بينها وبين حركات دارفور حتى تحصل على إقليمها الجنوبي وتنشئ دولتها؛ قطاع الشمال -لذات المفارقة- يفعل الآن الشيء نفسه ولكنه يتلاعب بحركات دارفور ويعمل على استغلالها لصالحه ثم يحرقها ويرمي بها بعيداً.
رابعاً، إحدى ابرز حيثيات الثورية في التخلص من حركة جبريل إدراكها أن حركة جبريل لها خلفية إسلامية، وفي ظل أطروحات الثورية فإن حركة كهذه لا مستقبل لها في الثورية. يكفي فقط استخدامها لأقصى درجة من ثم رميها على قارعة الطريق.
خامساً، قطاع الشمال يدرك أن إلتئام شمل الحركات الدارفورية –في أي وقت من الأوقات– وتوحدها ربما يسبب لها مأزق، فالقطاع لا يستطع عملياً مواجهة كتلة دارفورية مسلحة واحدة ولهذا فإن من الأفضل أن يتخلص تدريجياً من هذه الحركات بعد أن يستفيد منها.
أما جبريل نفسه فهو في الواقع -كقائد مهزوم- لم يعد لديه خيار استراتيجي ذي قيمة. الرجل أودى بنفسه إلى هذا المصير المؤلم جراء حساباته الخاطئة وعليه احتمال ما يترتب علي ذلك.
تعليقات
إرسال تعليق