مع أن الخلافات الداخلية لم تتوقف مطلقاً في قطاع الشمال حتى على أيام وجود الحركة الشعبية الجنوبية في الخرطوم في الفترة التي سبقت الاستفتاء وتقرير مصير الجنوب، ثم توالت في سياقات متواصلة عقب اندلاع الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق وعاد منذ ذلك الحين وحتى الآن ما يجاوز الـ1700 قيادي وضابط من القطاع، مع كل ذلك، فإن الخلافات الأخيرة التي احتدمت بين قادة القطاع وتسببت -كالعادة- في انسلاخ مجموعات وأعداد من القادة يمكن اعتبارها الأكثر سوءاً واكبر أثراً في تاريخ القطاع.
وقد صرح قبل أيام الفريق (دنيال كودي) رئيس الحركة الشعبية تيار السلام إن العشرات من القيادات انسخلوا مؤخراً من القطاع مشيراً إلى أن أحد أهم وأبرز أسباب الانسلاخات شعور هؤلاء القادة بعدم جدوى الحرب من جهة، وشعورهم بأن أفكار عبد العزيز الحلو وطريقته في إدارة الأمور في القطاع منفرة!
الفريق كودي أشار إلى أن العديد من قادة القطاع أصبحوا أسرى لمصالحهم الشخصية هي التي ظلت تمنعهم من قبول الحلول السياسية. غير أننا ومن واقع متابعاتنا اللصيقة لمجريات الأمور من داخل القطاع بإمكاننا تعداد جملة من مسببات تساقط القيادات والانهيارات المتتالية، داخل كابينة القادة لا سيما في الفترة الأخيرة.
أولاً، الصعوبات العملية الواضحة التي باتت تواجه أنشطة القطاع العسكرية؛ فقد تغيرت المعطيات مائة وثمانون درجة، حيث لم يعد بالإمكان تنفيذ هجمات عسكرية مؤثرة لا عن طرق حرب العصابات والضربات الخاطفة، ولا عن طريق المدفعية وصواريخ الكاتيوشا!
الصعوبات العملية التي كشف عنها احد القادة العسكريين العائدين من القطاع تكمن في دخول قوات الدعم السريع -ذات التدريب النوعي المؤثر- في معادلة النزاع، إذ أن هذه القوات فاقت في مهاراتها كل مهارات وتكتيكات قوات للقطاع لدرجة وصفها هذا القائد بأنها -مذهلة- بحيث أصبح من المتعذر تماماً تنفيذ عملية عسكرية حتى ولو كانت محدودة في أي منطقة من المناطق دون أن تأتي ردة الفعل من قبل القوات السودانية باهظة الثمن!
المأزق هنا كما يقول هذا القائد العائد أن تدريبات قوات القطاع بلغت منتهاها وتم استنزاف واستنفاد كل خبرة القادة والجند بحيث لم يعد هناك من مجال إلا بتحاشي المواجهة، وتحاشي المواجهة هذا هو الذي تسبب في تبلور قناعة القادة بالانسلاخ والعودة، لأن الفراغ قاتل ويبعث على الملل.
ثانياً، درج عبد العزيز الحلو على الحط من شأن القادة العسكريين وإذلالهم بصورة مريعة للغاية ويقال في هذا الصدد إن الرجل يستغل رتبته العسكرية في إذلال العديد من أبناء النوبة تحت ستار التعليمات العسكرية ولكنه كان عادة ما يرمي إلى إذلالهم والحط من شأنهم لإدراكه أنه لا ينتمي إلى إثنية النوبة إذ المعروف انه ينتمي إلى اثنية المساليت!
ثالثاً، شعور قادة القطاع بأن الهزائم بدأت تتوالي على الحركات المسلحة الأخرى (حركة جبريل نموذجاً) أعطى انطباعاً بالغ السوء لماهية الظروف التي على قادة القطاع وجنوده مواجهتها حين يصبحوا في الميدان وحدهم!
رابعاً، الشعور المتعاظم بأن الحرب قد طال أمدها دون أن يلوح في الأفق حل سياسي يزيد من شعور الخوف والمرارة في نفوس الجنود والقادة خاصة وأنهم على علم بطبيعة الحياة المرفهة التي يعيشها قادة القطاع وأسفارهم المتواصلة إلى العواصم الخارجية.
وعلى كل فإن قطاع الشمال مرشح في الأشهر القليلة المقبلة بأن تصبح أول فصيل مسلح يعلن -ولو ضمنياً- استسلامه وخروجه من الملعب حافي القديمين وحاسر الرأس، تطارده جراح الهزيمة النكراء!
تعليقات
إرسال تعليق