التغيير الكبير معاني.. ودلالات عميقة!

بعيداً عن الأسماء والصفات، والوجوه والسحنات فإن التشكيلة الحكومية الجديدة التى بدت للكثيرين -وهم محقين- مفاجئة ولم تكن فى الحسبان هي بالقطع بداية لمشوار إصلاحي طويل وإعداد جيد لمسرح من المنتظر أن يشهد فى المرحلة المقبلة نقلة نوعية فى مسار السودان للخروج من أزماته واستشراف مستقبله.
ولئن كان قد بدا للبعض أن التغيير الذى كانت الأحاديث رائجة بشأنه ربما لن يتجاوز نقل هذا الوزير وإحلاله مكان ذاك وثبات بعض الوزراء والمسئولين الكبار باعتبارهم محصنين ضد التغيير، فإن الحقيقة المدهشة التى ما تزال أفواه البعض فاغرة بشأنها أن التغيير هذه المرة –وبالمخالفة لكافة التوقعات– جاء شاملاً ورئيسياً وجذرياً.
الدلالة هنا ليست فى خروج كبار المسئولين فى القصر جملة واحدة، فهذه كما قال الرئيس السوداني المشير البشير سنة الحياة، يخرج هذا ويدخل ذاك؛ ولكن الدلالة هنا بما هو منتظر من وراء هذا التغيير الكبير.
وإذا أردنا قراءة ذلك بإيجاز وبتركيز عالي فإننا نلاحظ الآتي: أولا، أثبت الوطني للكافة -وهذه قضية نادرة جدا- إن بإمكانه نفض جسده بقوة وإعادة ترتيب يديه وقدميه، وكافة أنحاء جسده دون أن يتداعى أي عضو من أعضاء الجسد بالسهر والحمى!
الفكرة هنا أن الوطني حزب راسخ وبه قدر جيد من الثبات والقوة بحيث لا يجد صعوبة فى إجراء عملية إبدال وتغيير ضخمة دون أن يتأثر أي عضو من أعضاء جسده أو يصيبه الأرق. وهذه قضية مهمة للحزب وهو يستعد العام القادم للانتخابات العامة فهو قابل لتجديد وأخذ زمام المبادأة وتكفي هذه فقط لإهالة التراب على مجموعة الحراك الإصلاحي التى تعجلت وأدخلت نفسها فى هذا المطب والنفق الخطير المظلم، فقد سحب منها الوطني بمهارة كل إدعاءاتها وخطابها السياسي ولم تعد المجموعة تملك حججاً من أي نوع تبرر شرعية وجودها!
ثانياً، أرسل الحزب رسالة قوية وواضحة لجماهير شعب السودان أن (لديه مخزون استراتجي) من القادة وأنه لا صحة لخلود بعض قادته وثباتهم - كما الأصنام التى تعبد - دون أن يطالهم التغيير، وهذه تفتح كوة جيدة للناخبين مستقبلاً لكي يشعروا بوجود خيارات جدية داخل الحزب ربما تمنحهم وضعاً حياتياً أفضل طالما أن الحزب يذخر بالكوادر الشابة وغير الشابة المؤهلة والمدربة جيداً.
ثالثاُ، تطابقت مصداقية الوطني مع ما طرحه من سعيه الى إجراء تغيير شامل لصالح بناء الدولة برفد الساحة بكوادر جديدة لديها أفكار جديدة ورؤى مستقبلية أفضل تستطيع بموجبها إدارة الأزمات والعبور بها من ضفة المصاعب الى شاطئ الأمان.
وهكذا فإن هذه النقاط الثلاث بإيجاز هي المناط الحقيقي من وراء التغيير المهول الذى تشهده الساحة السياسية الآن وهي عملية ليست ببعيدة عن إصرار الوطني على التقارب مع كافة القوى السياسية المعارضة وإشراكها فى السلطة.
وهي فكرة يمكن أيضاً قراءتها فى سياق فكرة المعارضة التى ما فتئت ترددها بدعوتها الى حكومة انتقالية تسبق الانتخابات العامة، فالطاقم الحكومي طاقم جديد وأمامه برامج محددة وطالما كنا باتجاه الانتخابات العامة، فإن أحداً لم يعد بوسعه المزايدة على الوطني -اتفقنا أو اختلفنا معه- فى أنه أعد المسرح لبداية أفضل.
سوء حظ القوى المعارضة أنها لم تتفهم ولم تتمعن فيها بالصورة المرجوة، فأضاعت الفرصة وأهدرتها تماماً!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة