بذات القدر الذي ربما ينظر به البعض إخفاقات الحكومة السودانية ويعتبرها
مسالة كارثية ويصب جام غضبه عليها ، فإن – ذات هذا البعض – ربما تزكم انفه
رائحة البارود السياسي المشتعل في ميدان قوي المعارضة السودانية والأداء
المؤسف المخجل ، والفارق الشاسع مابين الشعور الوطني النبيل ، وما بين
الاستثمار في أزمات الوطن ، نحن هنا لا نتحدث عن التراشقات اللفظية
والإسفاف السياسي الممعن في السوقية في ( مساطب المعارضة الشعبية ) والتي
وصلت في الأدنة الأخيرة إلي ( المقصورة الرئيسية ) حيث يجلس القادة الكبار
لينالوا حظهم من هذه التراشقات ، بالطين المبلل برائحة المستنقعات العطنة
!! ولا نتحدث عن الفشل الماحق في وضع ( كنبة ) قادرة علي إجلاس كل مجموعات
المعارضة في وضع واحد يتنفسون هواءً واحداً ويشربون مياهاً موحدة من مورد
واحد ، فقد قضت قوي المعارضة نصف عمرها في الدعوة إلي التحالف ، ثم قضت ربع
منه في بناء التحالف ، وحين تبقي الربع الأخير عادت لتصارع علي ( حديد
البناء ) والاسمنت المبلل بأمطار الخلافات والذي لا يصلح مطلقاً للبناء ! .
فإذا كان أكثر من عقد من الزمان قضته المعارضة وهي تعد لدستور انتقالي (
من بنات أحلامها ) ثم بعد كل هذه السنوات وهذا الرهق ، لا تستطيع أن تتفق
علي نصوص الدستور مع أنه مجرد حلم يقظة ، فإن معارضة كهذه ليس بإمكانها أن
تصبح حتى ولو بعد مائة عام بديلاً محتملاً ممكن أن يكون حاكماً حتى لضاحية (
أم بدة ) غرب أمدرمان وليوم واحد ؟ ! لندع كل ذلك جانباً ولنقل أن كل ما
يجري الآن في ساحات المعارضة فيه ( مؤامرة ) من آخرين فهل يعقل أن ( مؤامرة
) من الوطني أو من غير تدفع أطراف الأمة القومي والشعبي للتراشق اللفظي
وتبادل أغلظ الاتهامات ، هل يملك الوطني أداة مادية ساحرة بإمكانها أن تدفع
الألسن والأفواه لتكيل الشتم والاتهامات في فضاء واسع وعريض ؟ هل أصبح
الوطني ساحراً سياسياً بإمكانه أن يفرق بين الحزب المعارض وحليفه في
المعارضة ، ويتطور الأمر بفعل شدة السحر إلي ( قتال سياسي مرير ) يسقط فيه
الجانبين صرعي برصاص بعضهما البعض ، أن هذا كله ليس مناط حديثنا هنا ولكن
الذي أردنا الوقوف عنده هو هذا الغياب المفجع لقوي المعارضة عن ساحات
الشئون الوطنية البالغة الأهمية لقد فقدنا قوي المعارضة من قبل في دعوة
الحكومة لها للمشاركة في الحكومة الراهنة ، كان يمكن لقوي المعارضة أن (
تتعلم ) كيفية إدارة الشأن الوطني وفق معطيات ساخنة وصعبة لتصنع بالمشاركة
مع الوطني من فسيح الظروف مشروباً سودانياً بمواصفات معقولة . ثم افتقدنا
المعارضة في كتابة الدستور الدائم والمضحك والمبكي في الأمر أن قوي
المعارضة رفضت المشاركة في إعداد الدستور الدائم – بحجج مختلفة – ثم فشلت
هي فشلاً زريعاً في كتابة دستورها الخاص !! ثم افتقدنا العارضة حين جاءت
الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة فلا هي شاركت بالرأي حين جرت مشاورتها قبل
إنفاذ الحزم الاقتصادية ولا هي نجحت في الوقوف إلي جانب الجماهير حين كان
الجمهور يتصور أنها قادرة علي الوقوف معه ! ثم جاءت الطامة ألكبري حين
جاءتها ( دعوة من ذهب خالص ) للمشاركة في وضع تدابير وحلول لصالح الاقتصاد
السوداني ، هي في خاتمة المطاف لخير ومصلحة اقتصاد الدول السودانية فرفضتها
رفضاً باتاً هاربة ومتهربة من استحقاق وطني لا يمكن خذلانه . إنها معارضة
لا تجدها حين تدلم الظروف ولا تدعك تفكر بروية حين تفكر هي بضجيج لا ينتج
عنه سوى المزيد من الضجيج لمؤشر علي خواء الفكر والفكرة !!
تعليقات
إرسال تعليق