الأمن الإفريقي في مواجهة “أخطبوط الإرهاب”

ينعقد بالخرطوم في الفترة من 24-30 سبتمبر الدورة الـ(14) لمؤتمر مدراء أجهزة الأمن والمخابرات في

أفريقيا “سيسا” تحت شعار ” الشراكة الإستراتيجية الشاملة تجاه مكافحة الإرهاب وتحقيق الإستقرار السياسي في إفريقيا”، ويأتي المؤتمر في توقيت دقيق للغاية تواجه فيه القارة تهديدات كبيرة، فقد نشرت أحدث تقارير المؤسسات البحثية أن معدلات الإرهاب في إفريقيا تضاعفت عشرات المرات مع تصاعد العمليات الإرهابية  في عدة مناطق من القارة  أبرزها شمال إفريقيا وجنوب الصحراء.

المؤتمر هو الثاني “للسيسا” الذي يستضيفه السودان خلال هذا العام، ففي أبريل الماضي عقد واحد من أهم المؤتمرات التي ناقشت “ظاهرة الارتزاق والمقاتلين الأجانب والمنظمات غير الحكومية السالبة وآثارها على الأمن والاستقرار في إفريقيا”. وقد خرج بتوصيات قوية أكدت على  تكامل وتنسيق الادوار بين دول القارة للتصدي لهذه الظواهر التي تنامت خلال العقود الاخيرة للحد الذي اصبحت فيه مهددا لأمن واستقرار القارة الافريقية، واكد السودان على استعداد لتقديم كل ما يمكن تقديمه للتعاون للمساعدة في القضاء على هذه الظواهر، والتي ظلت تشكل مثلث الرعب والخطر في افريقيا، لذلك كانت إرادة الأفارقة حاضرة لترجمة قراراتها واقوالها الى افعال بمحاربة هذه الظواهر السالبة حربا لاهوادة فيها.

وقد ركز المؤتمر على ظاهرة الارتزاق باعتبارها تشكل أداة من أدوات الاستعمار للهيمنة على الشعوب وثرواتها، فالمرتزقة كما وصفهم نائب الرئيس السوداني حسبو محمد عبد الرحمن عند مخاطبته ختام المؤتمر هم “جيوش الظلام” ويعتبرون بنادق مستأجرة لادين لهم ولا أخلاق، فهم يمارسون القتل والجريمة بانواعها المختلفة من اجل المال ولا يعصمهم في ذلك عاصم ولا تردعهم الشرائع ولا الاديان السماوية ولا الاعراف.

التوصيات التي خرج بها مؤتمر أبريل الماضي شكلت أساساً متيناً لانعقاد مؤتمر مكافحة الإرهاب، وهو ما يشير إلى أن قادة أجهزة المخابرات في أفريقيا باتوا مدركين لأبعاد المهددات الرئيسية التي تواجههم رغم تعقيداتها وكيفية التصدى لها. ووفقا للأرقام فإن عدد الهجمات الإرهابية في القارة شهد زيادة بنسبة 200%، في حين ارتفع عدد القتلى بنسبة 750%. أما الجماعات المتشددة التي تنشط في إفريقيا فهي حركة الشباب في الصومال وكينيا وبعض أجزاء شرق إفريقيا، وجماعة بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

هذه الجماعات تعتبر الأكثر بروزا على الساحة الإفريقية، إلى جانب حركات أنصار الدين والوحدة والجهاد في غرب إفريقيا ، بالإضافة إلى تنظيم داعش الإرهابي.

وأكد محللون أن إقليم غرب أفريقيا مثلاً أصبح يحتوى على عدد من الجماعات الإرهابية التى لم تتوان فى إعلان انها ستسير على نفس نهج تنظيم القاعدة العالمى الذى لا أحد يعرف أين مركزه الآن، و يرون أنه تفكك فى شكل خلايا محلية تتواجد فى دول بعينها ولا يتدخل التنظيم فى عملها إلا عند الحاجة للتمويل أو إرسال مقاتلين أو أسلحة.

وأمام هذا المشهد لابد من معرفة ما وصلت إليه هذه الجماعات من تطور، فلكى تصبح جماعة ما ارهابية لابد أولا أن يتصف عملها بالتنظيم وان يستهدف مدنيين وليس محاربين، كما تقدم الجماعة من خلال عملها الإرهابى رسالة إلى طرف ثالث ليس الطرف المستهدف من العملية الارهابية.

ونجد أن حركة الشباب الصومالية المصنفة “إرهابية” بات لها امتدادات داخل القرن الإفريقي بحيث تعدى تأثيرها وخطرها الداخل الصومالي إلى الخارج، فقد تمددت الحركة إلى كينيا وحتى أثيوبيا، الأمر الذي دعا الخبراء للمناداة بقيام الدول الإفريقية بخطوات لمساعدة الصومال على محاربة الإرهاب، خاصة أن الموقف الغربي إقتصر دوره على المراقبة وتوجيه بعض الضربات الأميركية من حين لآخر لقيادات هذه الحركة.

ويقدر عدد مقاتلي الحركة ما بين ٣٠٠٠ إلى ٧٠٠٠ مقاتل، وتعتمد على الهجوم المسلح كاستراتيجية أولى، وقد بلغ عدد الهجمات عام ٢٠١٥ نحو ١٦٠ هجوماً، كما تعتمد الحركة على التفجير باستخدام السيارات المفخخة، إضافة إلى ذلك تعتمد بدرجة أقل على الخطف والاغتيال والسرقة.

وهناك مخاوف من تحول حركة الشباب إلى “داعش أفريقيا” وأن يصل خطر تمددها إلى باب المندب، في ظل سعي بعض الدول للسيطرة على الصومال لأهميتها الجغرافية والاقتصادية. ونفذت الحركة أعمالأ شنيعة وباتت تسيطر على مناطق ذات موارد ، قد تشكل مورد للأموال لديها.

أما تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الاسلامى جاء امتدادا للجماعة السلفية للدعوة والقتال. وتركزت أعمال الجماعة السلفية فى البداية على المواقع العسكرية، ولكن منذ عام 2003 وفى أعقاب الاحتلال الأمريكى للعراق تحولت للقيام بأعمال خطف الأجانب إلى جانب ضرب المواقع العسكرية واتخذت أعمالها أبعادا إقليمية بعد ان أصبح عناصرها يجوبون فى الصحراء الكبرى واستمرت على هذا النحو إلى أن أعلنت فى يناير 2007 انضمامها إلى تنظيم القاعدة وغيرت اسمها إلى تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الاسلامى.

اما جماعة بوكو حرام فهى نشأت لمناهضة انتشار التعليم الغربى لكن تصاعدت أعمالها ضد مراكز الشرطة والكنائس.

وهناك جماعة أنصار الدين وجماعة التوحيد والجهاد التي انصبت أهدافها فى تطبيق الشريعة الإسلامية فى شمال مالى، وبدأوا بالفعل فى بعض المدن تطبيق الحدود مثل قطع الأيدى واتجهوا إلى هدم الأضرحة فى مدينة تمبكتو التاريخية. كما تقوم الجماعتان بعمليات عسكرية فى مواجهة القوات الحكومية حيث جاءت عملياتها فى البداية لدعم قوات الطوارق المتمردة.

ويتخوف الخبراء أن تدفع البيئة المحيطة بهذه الجماعات دافعاً لها للتعاون مع الإرهاب الدولى، في ظل انتشار عوامل عدم الاستقرار والفقر والمجاعة والبطالة والأمية بين قطاعات كبيرة من المواطنين فى الاقليم، على الرغم من احتواء الإقليم على ثروات ضخمة فى ظل هشاشة الحدود وانتشار انواع مختلفة من الأسلحة وأشكال من الجريمة المنظمة مثل تجارة المخدرات وهو ما يعزز يعزز لجوء المواطنين وخاصة من الشباب إلى العنف لمواجهة الفساد واستخدام تفسيرات دينية خاطئة لتبرير استخدام العنف ضد الحكومات فى دول الإقليم.

بات الأمن الأفريقي يواجه تحديات جسام أبرزها تمدد الإرهاب في ظل المتغيرات الأقليمية والدولية والأجندة المتحركة، مما يستوجب من دول القارة الأفريقية التعاون والتنسيق على أعلى درجة لمواجهة الظواهر التي أصبحت سبباً رئيسياً في تعطيل التنمية وإزهاق أرواح آلاف المدنيين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة