البشير في كادُقلي.. تحايا السماء

 غيمة سوداء حملت في جوفها قطرات الماء غطت بعض جبال كادقلي وكأنها تعلن الترحيب برئيس الجمهورية المشير عمر البشير الذي جاء لافتتاح النسخة الثانية من مهرجان جنوب كردفان للسياحة والاستثمار والتسوق الثاني،
ومنذ ان بدأت الطائرة الفوكرز في الهبوط التدريجي نحو مطار اليونميد ايقنت ان هذه الاجواء تستحق السياحة والاستمتاع بالخضرة التى كست بعضاً من التسعة وتسعين جبل التى تثبت اركان جنوب كردفان، هذه الولاية التى شهدت في سنوات خلت حرباً ضروساً اقعدت التنمية فيها، الا انها بدأت تعود من جديد بعد الامن والاستقرار الذي شهدته البلاد في جنوب كردفان وغيرها من الولايات التى كانت متوترة في وقت سابق. إن مهرجان السياحة والتسوق في جنوب كردفان يؤكد ان الولاية تعافت من الحرب وبدأت رحلة التنمية من خلال المشروعات التى تم افتتاحها، واوضحت ان كادقلي على الاقل من مدن الولاية تسير في الطريق الصحيح نحو مقدمة المدن في السودان.
مستثمرون في قلب المدينة
لم يكن هناك موضع شبر في مطار كادقلي الا وتحته رجل او عربة، جميعهم وقفوا لاستقبال البشير ووفده، ولم يجلس الرئيس كثيراً في المطار فالسماء كانت ملبدة بالغيوم وتنذر بمطر كثيف في هذا اليوم، فتحرك موكب البشير لافتتاح اول مشروع في المدينة بالقرب من المطار وهو المعرض الضخم الذي انتظم في الميناء البري الجديد الذي شيد على احدث طراز ليكون واجهة مشرقة في جنوب كردفان، فكان افتتاح الميناء البري، وفي ذات الوقت المعرض التجاري الذي غلبت عليه الزراعة، حيث يشارك في المعرض قرابة الاربعين شركة منها المحلي وغيرها العالمي، مما يشير الى ان الولاية ستشهد تدافعاً من تلك الشركات للاعمار والتنمية.
معرض التراث .. بصمة إبداع
ربما الصناعات اليدوية التى انتظمت في معرض التراث هي الاكثر جاذبية، ووقف عندها الرئيس كثيراً، وربما خرجت بعض التوجيهات لوزير السياحة للاستفادة من هذه الصناعات لجذب بعض سياح العالم، وبدت الفرق الشعبية اكثر جاذبية وهي تعرض تراث جنوب كردفان بكافة محلياتها، وكان ضيوف الولاية من الاشقاء العرب هم الاكثر دهشاً بالرقصات الشعبية ومعرض التراث الذي تفردت به الولاية.
استقبال خرافي مع زخات المطر
قبل ان يكمل رئيس الجمهورية برنامج الافتتاحات الضخمة التى تشهدها عاصمة الولاية وحضرها جمهور ربما لم يتكرر في كثير من ولايات السودان، حيث ضاقت الشوارع الرئيسة بكادقلي بالمواطنين الذين زحفوا من كل صوب وهم يحملون اعلام السودان ترحيباً بالرئيس، وزاد تدافع المواطنين تلك الاجواء الخريفية التى كست سماء المدينة وهي تعلن عن استعداد هطول امطار كثيفه، وتحقق ذلك اثناء افتتاح مستشفي كادقلي الضخم الذي يبشر بتوطين العلاج بعاصمة الجبال عقب الافتتاح الذي تم، علق بعض الحضور بان السماء ترحب بالبشير بطريقتها الخاصة كما رحبت به جماهير جنوب كردفان.
تكبير هارون ولافتات العائدين
داخل استاد كادقلي شاهدنا المئات وهم يقفون على ارجلهم من التدافع الكثيف لحضور البرنامج داخل المستطيل الاخضر، وعدد من الامراء لم يجدوا حتى موضع رجل، فاهل كادقلي وما حولها جميعهم ارادوا دخول الاستاد الذي عجز عن استيعابهم، ففضل الكثيرون الاستماع الى مكبرات الصوت من الخارج، وحينما بدأ مذيع الربط في ارسال التحايا للرئيس ووفده الذي ضم عدداً من الوزراء وخص بالتحايا ولاة نهر النيل وجنوب كردفان كان التفاعل قليلاً، ولكن حرارة التفاعل والتكبير الذي اهتزت له اركان الاستاد حينما ذكرت التحايا لوالي شمال كردفان مولانا احمد هارون، مما يؤكد المكانة الكبيرة والطيبة التى تركها هارون عند اهل الولاية التى كان يحكمها سابقاً. ولم ينس مقدم البرامج ان يبعث برسالة شكر للعائدين من الحرب وهم يحملون لافتات خاصة بهم بها كلمات الشكر والترحيب برئيس الجمهورية.
ما بين السياحة والصناعات اليدوية
ما شاهده وزير السياحة د. محمد ابو زيد في النسخة الثانية من المهرجان بجنوب كردفان، جعله يؤكد ان الولاية غنية بالجواذب السياحية ولها مستقبل زاهر في الاستثمار السياحي، وقال ابو زيد في اللقاء الجماهيري: (نحن في الوزارة نسعي الى ان تكون كردفان وصلة للسياحة في السودان، لأن بها الخريف الذي يعيق الحركة في كل السودان عدا كردفان التى من السهل الوصول اليها)، وابدى ابو زيد استعداد وزارته لجعل جنوب كردفان ذات اولوية في التنمية السياحية ان كان من خلال جلب المستثمرين او اشراك منتجاتها عالمياً من خلال المعارض التى تنظم.
وتحدث محمد عن المعارض التجارية والقرية السياحية التى اكدت ان الولاية تتميز عن غيرها، معلناً مشاركة الولاية في  دورة اقليمية بتمويل من منظمة المؤتمر الاسلامي وتختص بالصناعات اليدوية خلال الايام المقبلة، وقال ان منتجات كادقلي اليدوية تمثل لنا املاً كبيراً في الصناعات، وهذا المهرجان علامة على السلام والأمن.
التعايش السلمي وكرسي الوالي
قبل ان يصعد والي جنوب كردفان اللواء آدم ابكر لمنصة الخطاب كان امراء وعمد الادارة الاهلية يقدمون وثيقة بها رسالة للسلام والتعايش السلمي، وهذا ايضاً ما اكده الوالي في كلمته التى اشار فيها الى استتباب الامن في كافة انحاء الولاية، بدليل قيام هذا المهرجان للسياحة والتسوق، وقال ابكر: ان الولاية آمنة ونؤكد لكل العالم اننا آمنون، وان السلام جاء بايدي القوات المسلحة والاجهزة الامنية الاخرى، واشار ابكر الى الدور الكبير الذي لعبته الادارة الاهلية والمواطنون في فرض السلام، وقال: (تاني مافي بندقية ومافي شعار ليكم تدربنا وليكم تسلحنا)، وبعث آدم خلال كلمته برسالة للحركة الشعبية وقائدها عبد العزيز الحلو منادياً اياهم للعودة للسلام، وقال ان الطرفين ملتزمان بوقف اطلاق النار، مشيراً الى الالف الذين عادوا طوعاً من الطرف الآخر بحثاً عن السلام والاستقرار. وقال ابكر: (نحن تاني ما عايزين حرب بعد اليوم، وغير التنمية والسياحة ماعايزين.. نركز في شي)، وقدم الوالي مطالب الجماهير للرئيس وقال: (ان المواطنين يريدون من الرئاسه ثلاثة مطالب والباقي مسؤول عنه انا) وتمثل المطلب الاول  في اكمال الطريق الدائري، اما الثاني فكان ايصال الكهرباء القومية للولاية، وآخرها مطلب تفعيل مؤسسة جبال النوبة التى تسهم بصورة كبيرة في الحد من الفقر وتخدم آالف الاسر، وبعث الوالي من خلال خطابه برسالة شخصية لعبد العزيز الحلو وقال له: ما عايزين حرب تاني وتعال بكرامة، ولو عايز منصب الوالي بتنازل ليك، ولو عايز اي منصب آخر نحن جاهزين)، ونبه ادم الى ان المواطنين وحتى الاطفال سئموا الحرب. وقال: (اعرف ان ناس الحلو وقادته بيحضروا احتفالتنا سراً عارفين نحن، ونقول لهم  تعالوا احضروها معانا علناً.. تعالوا الولاية تسعنا جميعاً).
تحايا السماء وتحمل القصف
في هذه الزيارة بدأ رئيس الجمهورية نشطاً وتبدو على وجهه علامات الارتياح، فالاجواء الخريفية حينا لها تأثيراتها المعنوية، ونعمة الامن لها ايضا تأثيراتها، وحينما بدأ الرئيس حديثه في الاستاد شكر في مقدمته اهل كادقلي الذين استقبلوه بحرارة والسماء التى استقبلته بزخات الغيث، وقال البشير: (ما بقول اننا تعافينا تماماً من الحرب، فالسلام هو قضيتنا الاولى، وسنسير فيه مع التنمية مع بعض)، وقال البشير: (عايزين نرجع جنوب كردفان زي ما كانت حيث خيرها الوفير)، واوضح انه عاش سنوات في الولاية ويعرف خيراتها واهلها الذين يمتازون بالتكافل والتراحم، حتى دخل الشيطان بينهم وقامت الحرب التى شردت  البعض وقتلت الآخرين واقعدت التنمية، وقال: (انا عشت بيناتكم هنا وبعرف العلاقات والتراحم والتكافل لغاية ما دخل الشيطان وشرد وقتل وعطل التنمية)، وقال:  (شوفوا حساباتكم من الكتمة وحتى الآن، ستجدون اننا نسير بطريقة متوازنة). واكد البشير ان السلام الكامل قادم والطريق الدائري سيكتمل والتنمية مستمرة، وقال: (الكهرباء زي ما جات الدلنج ستصل كادقلي وتلودي)، مبشراً اهل الولاية بتوقيع عودة هيئة جبال النوبة حتى تكون افضل من السابق، الى جانب الاهتمام بزراعة القطن واحياء مصنع كادقلي للنسيج لكي يستوعب كل الشباب، وقال: (ستكون تنمية شاملة)، وتحدث البشير عن الحوار الوطني ومخرجاته التى اتفقت على كل شيء في حكم السودان، مشيراً الى ان المرحلة المقبلة ستكون للاهتمام بمعاش الناس، ومنها الانتخابات  وبعدها الدستور الدائم الذي يتفق عليه جميع اهل السودان.
وفي ختام كلمته حيا الرئيس مواطني كادقلي الذين تحملوا ويلات الحرب والقصف وصبروا عليها حتى جاء السلام والتنمية من بعدها.
x

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة