التطبيع

التطبيع

تصريحات مبارك الفاضل حول التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني لا تحمل جديداً، لكنها تضعه في آخر قائمة دعاة التطبيع، وسبقه قيادات وأحداث متعلقة بهذا الشأن، وصادفت دعوة الفاضل حالة من التراخي العربي

من القضية الفلسطينية وانشغال الدول العربية باضطراباتها الداخلية ومهددات الإرهاب والتطرف. ومبارك السياسي الذي يجيد اللعب السياسي خارج المألوف، والمتابع لسلسة حواراته في حال البلد على (سودانية 24) وكتاب ما جرى، يكتشف تحركه في مساحات وعرة.

قبل تصريحات مبارك الفاضل بأيام نشرت صحيفة البعث السوداني خبراً عن ترميم محلية الخرطوم مقابر اليهود في السودان واعتبرته الصحيفة عربون تطبيع، واستغل البعث السوداني خبر الترميم لخدمة أجندته السياسية كحزب معارض، وتعد مقابر اليهود جزءاً من التاريخ السوداني، وترميمها لا يفضي إلى تطبيع بأي حال

من الأحوال.

في الحديث عن العقوبات الأمريكية نشرت صحيفة هارتس الإسرائيلية في سبتمبر 2016 تسريبات صحفية حول دعوة إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية برفع العقوبات عن السودان، وإزالته من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد أن قطع علاقاته مع إيران. والخبر المنشور تم تداوله على نطاق واسع على المستويين المحلي

والإقليمي، وردود الفعل المحلية حاولت إسقاط الخلفيات الفكرية للحكومة السودانية، وتعد هارتس من صحف اليسار الإسرائيلي الداعي للتعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين في دولة واحدة.

التسويق الإعلامي والسياسي للتطبيع مع إسرائيل أصبح من أدوات الصراع السياسي في السودان، وجزء من الاستراتيجية الإسرائيلية في تحسين صورتها والاعتراف بها، وبدأ شبح هذه الاستراتيجية في معاهدتي كامب ديفيد واسلو وتحقيقهما للانقسام العربي والفلسطيني. وفي السودان بدأت على مراحل عبر

ترحيل الفلاشا ومشكلة الجنوب وتم تصعيدها عقب أزمة دارفور، بعد إعلان حركة تحرير السودان المتمردة على لسان عبد الواحد محمد نور فتح مكتبها في تل أبيب ولجوء بعض أبناء دارفور لإسرائيل، وعلى الصعيد العربي فإن حالة الاستقطاب السياسي ما بعد الربيع العربي التي مهدت لقبول التطبيع مع إسرائيل من خلال

سياسة كبح تنظيمات المقاومة وفقاً لتصنيفاتها السياسية وارتباطهما بمهددات المنطقة العربية المتمثلة في الإخوان المسلمين والنفوذ الإيراني الشيعي، ويتم طرح التطبيع من باب التعبير عن اليأس وإحراج الحكومات وفصلها من الحراك الاجتماعي والثقافي، ويخطئ دعاة التطبيع في السودان في تقديراتهم السياسية

والتعامل مع الكيان الإسرائيلي وفقاً لمعطيات السياسة العربية، وعلى العموم فإن مسألة مع الكيان الصهيوني لا تتحكم فيها القرارات السياسية بل تتحكم فيها أدبيات راسخة شكلها البعد الديني والثقافي من خلال تراكمات الصراع العربي الإسرائيلي وواقع الاحتلال.

نقلاً عن صحيفة اليوم التالي 24/8/2017م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة