لماذا بدأ قطاع الشمال يتراجع؟

 لا شك إن الخطوة التى اتخذتها الحركة الشعبية قطاع الشمال بإفراجها عن الأسرى الذين كانوا بحوزتها (ما يربو على المائة أسير)، خطوة ايجابية على أية حال و هي أسهمت في حدوث تفاعل أشمل وأكثر تأثيراً بصدور العفو الرئاسي المفرح عن
(259) محكوماً  من الحركات المسلحة الموقوفين بسجن كوبر الاتحادي الأسبوع الماضي. وفيما يبدو أن الحركة الشعبية قطاع الشمال على نحو أو آخر بدأت تجري حسابات واقعية لما هو حولها وما هي فيه من ظروف ومعطيات!
فمن جهة أولى، فإن الحركة فقدت الدعم الرئيسي لكل إستراتيجيتها وتكتيكاتها جراء عنادها وسوء تقديرها. إذ أن واشنطن ضاقت ذرعاً بما تشاهده في دولة جنوب السودان. قتال عبثي ضاري. تدير مؤلم للبنى التحتية. إضاعة سنوات غوالي من عمر الدولة الوليدة. واشنطن قرأت أوضاع الحركة الأم في دولة الجنوب بتمعن ووجدت ان من العبث بمكان إعادة استنساخ المشهد نفسه من قبل الحركة الإبنة!
 ومن جهة ثانية، فإن الحركة الشعبية رأت (بأم عينيّ رأسها) كيف يجري إنفاذ مخرجات الحوار الوطني. كيف تم إدخال تعديلات دستورية بمعايير دولية يصعب انتقادها او التقليل من شأنها. كيف يجري التشاور حول حكومة وطنية وفاقية تشارك فيها أطياف مهولة من أطياف السياسة السودانية. وكيف انتهى الأمر إلى تأكيد الحكومة على ورفع العقوبات -باعتباره أكبر معيق للنهضة الاقتصادية في السودان- يمضي قدماً وبخطى قوية ولا أمل في عرقلته، زاد من شعور الحركة الشعبية بسوء معطياتها واستحالة مداومتها على حمل السلاح ومواصلة الحرب.
 رابعاً، شعرت الحركة الشعبية بأن الحركات الدارفورية المسلحة -حلفائها التكتيكيين- قد أصبحوا أثراً من الماضي، فلا هم موجودون في إقليم دارفور بحيث يكون لهم تأثير في الميزان العسكري. ولا هم بذات قوتهم السابقة بحيث يكون لهم وزن في أي طاولة تفاوض. ولا هم منشغلين بقضية دارفور بعدما دخلوا ساحة المقاولات الحربية و العمل في دول الجوار!
حلفاء بهذه المواصفات المخجلة، لا يمكن الاعتماد عليهم، فضلاً عن ان قوى المستقبل وقوى الإجماع الوطني وكافة أشكال ومسميات المعارضة السودانية هم الآن كالأيتام، فقد فوتوا قطار السلام ومزقوا تذاكرهم اعتقاداً منهم إن قطار الحوار وهمي ولن يصل إلى المحطة الرئيسية، وفوتوا فرص التفاوض المختلفة التى كانت تتيح لهم الأخذ والرد، والحكومة نجحت في إلتقاط زمام المبادرة، وأصبحت هي محور وإرتكاز عملية الوفاق الوطني الشاملة. هؤلاء خرجوا عملياً من مدى الرؤية ولم يعودوا يؤثرون في الساحة السياسية ولا تستطيع الحركة إسناد ظهرها عليهم!
مجمل المشهد إذن مقروءاً مع واقع حال الحركة المتمثل في نقص الغذاء، قلة الجند، نفاذ الذخائر، تعطل الآليات، ثم مخاوفهم الكبيرة وهواجسهم من تكتيكات قوات الدعم السريع ذات التكتيك والمهارة الحربية الخفيفة المتقنة لطريقة أداء قوات الحركة؛ كانت قاصمة ظهر الحركة والتى دفعتها دفعاً لتقديم السبت، المتمثل في إطلاق سارح الأسرى، عسى أن تجد من الحكومة ما هو أكثر من الأحد!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة