الإعلام المصري.. والخطيئة الاستراتيجية الباهظة الثمن!

 ألقت الحكومة السودانية ممثلة في وزير الإعلام الدكتور أحمد بلال عثمان يد الإعلام السودانية في صد ما يمكن وصفه بالهجوم الإعلامي -غير المبرر- الذي شنته وسائل الإعلام المصرية. الدكتور  أحمد بلال قال للصحفيين ان الإعلام المصري بالفعل
تطاول كثيراً على السودان وتجنى عليه.
ولا شك ان الذي يعرف الكيفية التى تجري بها الأمور في الشقيقة مصر، يصعب عليه احتمال هذا المسلك الغريب من الإعلام المصري والفضائيات الخاصة التى ما إنفكت تنهش لحم السودان نهشاً. كما أن المخابرات المصرية -على نحو أو آخر- ليست بمنأى عن ما يجري.
 الرئيس السوداني في حوار صريح أجرته مع وسائل الأعمال عربية قال بوضوح ان المخابرات المصرية تلعب دوراً مؤثراً في مجريات علاقات البلدين، وهو ما يعضد النظرية المألوفة عن منظومة الحكم في الشقيقة مصر، والتى تبدو فيها الحكومة غالباً بعيدة -ظاهراً- عن العديد من الأمور التى تجري من قبل جهات مصري.
وإذا جاز لنا التمعن في ثنايا ما يقوم به الإعلام المصري بما يشبه الحملة المقصودة المنظمة ضد السودان، فإن المرء يلاحظ أموراً مثيرة حقاً للاستغراب. أولاً، السودان بالنسبة لمصر -مهما كانت الحسابات هنا أو هناك- بمثابة عمق استراتيجي لا غنى لها عنه قط.
وحين نحلل و نفكك عبارة (عمق استراتيجي) فإن هذا يشمل الأمن القومي المصري بكلياته، الامن المائي، الامن الغذائي، الامن العسكري الامن الاجتماعي. وكل منظومات الأمن التى يتأسس عليها الامن القومي لأي دولة. هذا العمق الاستراتيجي الطبيعي لا يحتمل العبث والمساومة ولا يحتمل أي مساس بمضمونه مهما كانت الدواعي ولان السودان -حكومة وشعباً- يدرك (بوعي عال جداً) هذه الحقيقة وأهميتها فإن (صبره) على الإعلام المصري وعبثه لم يكن مبنياً على ضعف او هوان. هي درجة من الوعي الاستراتجي يعض عليها السودان بالنواجذ على قلة وعي الإعلام المصري بها.
ثانياً، احتمل السودان – في ظل احتلال مصر لجزء عزيز من أرضه ممثلاً في مثلث حلايب فوق ما يحتمل أملاً في أن يتم التوصل في يوم ما إلى حل سلمي عادل ، ولهذا فإن احتلال ارض سودانية ورفض التفاوض والتحكيم بشأنها –بالمخالفة للأعراف الدولية– ثم شنّ حملة إعلامية ظالمة على السودان، لا شك ان انه يقع في نطاق العدوان والأعمال المتعارف عليها في العادة في حالات الحرب. واذا كان الإعلام المصري (غير عابئ) بكل هذا، فإن عليه ان يتحاشى (اختبار رجولة السودان).
ثالثاً، أتيحت للسودان –على طبق من ذهب– فرصاً تاريخية نادرة قلما تفوتها دولة من الدول عندما أطاح النظام القائم بالوضع الديمقراطي السابق لاستغلال الوضع ولكن السودان -كما ترى مصر ويرى الإعلام بوضوح- لم يفعل، ليس لأنه لا يستطيع ولكن لأنه يحتفظ بمبدأ حسن الجوار على نحو مبدئي راسخ لا تعبث به المصالح، وأن مصلحة السودان كلما تعلق الأمر بمصر هي محصلة البدين معاً.
مجمل القول إن الإعلام المصري يعبث بالتاريخ و الجغرافيا معاً دون ان ينتبه إلى إن العبث بهذين العنصرين ثمنه باهظ للغاية!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة