المعارضة السودانية.. إمتحان تحديد المستوى

لا يجادل أحد -بما في ذلك قوى المعارضة السودانية نفسها- أنها قوى ضعيفة وفشلت طوال الحقبة الفائتة ولعقدين ونيف في إحداث أي اختراق سياسي معتبر جدير بالاحتفاء . ضعف المعارضة بات من المسلمات التى تقر بها هي نفسها وأحياناً ترد
السبب -بلا حياء- إلى المؤتمر الوطني!
حسناً أياً كان سبب ضعف المعارضة و فشلها المتلاحق، ما الذي ستفعله وهي الآن تقف قبالة مرحلة تحول تاريخية، المدهش فيها أنها لم تسهم قط لا بعمل سياسي منظور او غير منظور، ولا عبر تفاض او تحاور في بلورته! الذي يجري الآن هو نتاج مشروع الحوار الوطني، المشروع التاريخي الذي قاطعته هذه القوى ونزعت عن نفسها شرف إدعاء نجاحه مسبقاً!
 السؤال الذي يفرض نفسه الآن؛ إذا كان ما يجري من متغيرات سياسية وعمليات إصلاح مؤثرة في الدولة السودانية لم تسهم فيه قوى المعارضة ولم تكن جزء منه بحال من الأحوال، كيف إذن سيكون موقفها حيال هذه الثمار السياسية؟ هل ستعارض حكومة الوفاق الوطني و برنامج إصلاح الدولة؟ وإذا هي فعلت، هل يعني هذا أنها -هذه المرة تحديداً- تقف ضد رغبة مواطنيها وشعبها؟
 إن مثل هذه التساؤلات ذات المذاق المُر في فم قوى المعارضة السودانية ينبغي أن تستعد لمواجهتها منذ الآن، فمن جهة أولى: لم يعد أمراً منطقياً بعد مشروع الحوار الوطني والمتغيرات في تركيبة الحكم وفي الدستور والأوضاع السياسية كافة الوقوف في مربع (إسقاط النظام)! ذلك ببساطة لان النظام وفق مخرجات الحوار الوطني، نظام وطني متكامل، متعدد القوى ومبني على أسس أكبر وأكثر اتساعاً. لقد فشلت قوى المعارضة في إسقاط النظام حين كان وحده، فما بالك الآن وقد اصبح نظاماً تعددياً نتاجاً لجهد وطني مشترك؟ متعدد الأطراف؟
 ومن جهة ثانية، فإن جماهير السودان لن تلتفت إلى قوى معارضة تعارض مشرع إصلاح وطني وبناء جديد للدولة. جماهير السودان سبق وأن زهدت في قوى المعارضة قبل سنوات طويلة في ظرف مختلفة عن الظروف الحالية، كيف لها أن تقبل قوى معارضة تقف ضد إنهاء الحرب وإصلاح الدولة و تطوير الممارسة الديمقراطية؟
ومن جهة ثالثة فإن قوى المعارضة إذا وجدت نفسها (بلا موضوع) يصلح للمعارضة نتيجة لاستجابة حكومة الوفاق الوطني للمطلوبات السياسية، فإنها في تلك اللحظة ستكون محض حمولة زائدة لا هي قادرة على المعارضة ولو عن طريق إيهام الناس بذلك، ولا هي قادرة على (تأييد) ما تنفذه حكومة الوفاق الوطني، ولا هي قادة على إسقاطها.
نقول ذلك لإدراكنا منذ أن بدأ الحوار الوطني ان قوى المعارضة تهدر فرصة العمر، فالضعيف غير القادر على الحركة ما ينبغي له أن يرفض معاونة الآخرين له في الوصول إلى وجهته، فهو إن فعل لن يصل إلى وجهته ولن يجد احترام معاونيه، والأنكى من كل ذلك سيظل باقياً في مكانه! لذا فإن قوى المعارضة عليها أن تخضع نفسها لامتحان تحديد المستوى للدخول في الدورة السياسية المناسبة لتلقي الخبرة السياسية!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة