المأزق الحقيقي (الخفي) في الحزب الشيوعي السوداني!

المأزق الحقيقي (الخفي) في الحزب الشيوعي السوداني!


ربما بدت أزمة فصل بعض قيادات الحزب الشيوعي السوداني التي تداعت أحداثها مؤخراً قبيل انعقاد المؤتمر السادس للحزب أواخر يوليو المنصرم، مجرد أزمة تنظيمية عادية تسبب فيها عقد بعض هؤلاء المفصولين للقاءات اجتماعات خارج أطر الحزب.

في الغالب ينظر الى الامر من هذه الزاوية الضيقة إما بحسن نية من قبل بعض منسوبي الحزب وبعض المراقبين، وإما لتحاشي الغوص في تعقيدات حزب لا تحتاج تعقيداته التاريخية الذاتية للمزيد من التعقيد!
غير أن الحقائق التى عادة ما يجري اخفاءها بعناية فى هذا الصدد يمكن القول انها اكبر من ذلك بكثير، بل واخطر من مجرد عقد اجتماع خارج الاطر التنظيمية لان مقولة (عقد اجتماع خارج الإطار التنظيمي) بالنسبة لحزب كالحزب الشيوعي السوداني ليست مقولة موضوعية ومنطقية -حدثت أم لم تحدث- وذلك عدة  أسباب واضحة ومعروفة أولها: إن قوالب الحزب وأطروحاته، ومواقفه السياسية محدودة للغاية وباردة كالثلج، بحيث لا يجدي نفعاً عقد اجتماع خارج إطار الحزب للدوران فى ذات فكلها المحدود وليس أدل على ذلك من أن أحداً لم يشر إلى وقائع هذه الاجتماعات وما قيل فيها، لأنها بطبيعة الحال ليست سوى تكرار ممل لذات القالب.
ثانياً، على فرض أن المفصولين عقدوا اجتماعاً (مخالفاً) لأطروحات الحزب مع كونهم قادة أعضاء فى اللجنة المركزية فإن من العسير ان نتصور أنهم يزمعون التدبير لانقلاب تنظيمي في الحزب، إذ أنهم –لو كانوا حقاً قادة أذكياء– فإن بإمكانهم فعل ذلك دون ان يدرك الحزب وقادته ذلك، ولو قلنا إنهم سئموا من موقف الحزب وأطروحاته -كما فعل الخاتم عدلان ووراق- فقد كان بإمكانهم تقديم استقالاتهم والسير فى طريق مغاير.
إذن ما هي العلة الحقيقية التى دفعت الحزب لخوض هذه التجربة المريرة الاضطراب التنظيمي الذي يعتبره قادة الحزب و على وجه الخصوص اعضاء اللجنة المركزية للثقة فى بعضهم! هنالك شعور متزايد داخل اللجنة المركزية (بوجود عملاء) (أو فلنقل (مسربين) لأسرار ووثائق الحزب لجهات خارج الحزب. والدليل علي هذا الشعور ان هنالك اتهامات ومخاوف ظلت تتردد لدى قادة الحزب بأن الحزب مخترق!
وبطبيعة الحال فإن، الحزب الشيوعي السوداني شأنه شأن أي حزب في الدنيا من الممكن أن يتعرض للإختراق، وللمفارقات فإن بدعة اختراق القوى الاخرى هي واحدة من اختراعات الحزب الشيوعي السوداني. ومن قصص الحزب التاريخية إخفاء الحزب لزعيمه داخل قصر رئاسة الحرس الجمهوري بالقصر الرئاسي، بينما كان الرئيس نميري يقلب فى الأرض وفى المشرق والمغرب بحثاً عن الزعيم الذي لا تفصله سوى أمتار عنه داخل القصر!
وكما يقال –(كما تدين تدان)– فلربما أبتلي الحزب الشيوعي السوداني بحالة اختراق عالية الكثافة والجودة وفادحة الأثر أصبح معها من العسير على الحزب ضبطها ووضع يده عليه، كما أنه ف ذات الوقت يستحيل عليه احتمالها، والأسوأ من كل ذلك فإن شكوكه فى من هم حوله من أعضاء اللجنة المركزية يصعب نفيها! ولذا لجأ الحزب لتفسير الشك لصالح الحزب، ورغم ذلك ما يزال يشك وأسراره على قارعة الطريق تضاعف من شدة شكوكه!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة