وهو يخاطب مجلس شوري المؤتمر الوطني الجمعة قبل الماضية؛ وضع الرئيس
السوداني المشير عمر البشير نقاطاً بالغة الاهمية على حروف الاوضاع
السياسية الراهنة في السودان. يمكن اعتبارها -من الناحية الموضوعية
المجردة- خارطة سياسية استراتيجية لما ينبغي ان تكون عليه الاوضاع وتؤول
اليه الامور في السودان في المرحلة المقبلة.
اولى النقاط تتعلق بالحوار
الوطني وأكد فيها الرئيس ألا حوار بعد الحوار الوطني الذي جرى. النقطة
الثانية ألا منح لحكم ذاتي وجيش للحركة الشعبية قطاع الشمال في المنطقتين
جنوب كردفان والنيل الازرق. النقطة الثالثة ان مخرجات الحوار الوطني
وتوصياته ستجد الانفاذ الكامل من جانب الحكومة.
هذه النقاط الثلاث على
درجة كبيرة من الاهمية وبالطبع ليس لأنها وردت على لسان الرئيس بوصفه
رئيساً للجمهورية او رئيساً للمؤتمر الوطني، ولكن لأنها –ببساطة– بمثابة
ترجمة موضوعية مهما كانت درجة الخلافات والتقاطعات السياسية بين كافة
الفرقاء السودانيين، لحقائق الواقع في السودان، فمن جهة اولى وفيما يتعلق
بألاّ حوار بعد الحوار الذي جرى قبل اكثر من 4 اشهر وامتد لكل هذه المدة
الطويلة فإن الامر منطقي تماماً، فقد كان الحوار مفتوحاً ووفرت له ضمانات
للكل -بدليل وصول معارضين من أقصى الخارج ووصول حركات مسلحة ما تزال تقاتل-
كما أن الجهد الذي بذل في الحوار نفسه جهد مضني وشاق والاهم من كل ذلك ان
الحوار لم يدع شاردة ولا واردة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية وقضايا الهوية والحريات ونظام الحكم لم يتطرق إليها
ويضع لها التصورات الواقعية الممكنة.
حوار بكل هذه المزايا والمواصفات
وشاركت فيه اكثر من 100 قوة سياسية ومسلحة وقوى مجتمع مدني تمثل أغلب
السودانيين، لا يمكن القفز فوقه أو تجاوزه وإجراء حوار ثاني لمن لم
يشاركوا! فإذا حدث وقام حوار جديد فإن من المحتم ان الذين شاركوا في الحوار
الاول سوف يعتبرون الامر مهزلة سياسية وستتضاعف الخلافات وتمتنع مجموعة
ثالثة عن المشاركة ثم تنادي بحوار ثالث!
سيكون على السودانيين حينها
الدخول في مسلسل مطول وممل لحوارات بلا نهاية والقضايا الوطنية وظروف
السودان بطبيعة الأحوال لا تحتمل عبثاً كهذا! يكفي هنا فقط ان يلتزم
الممانعين بالمخرجات ويستفيدوا من ثمارها، فهم من حرم أنفسهم بأنفسهم من
المشاركة ولا ذنب للأغلبية في ذلك. إن هذه نقطة موضوعية تحتمها حقائق
الواقع سواء قالها الرئيس او لم يقلها، فالحوار هم أضخم مشروع وطني سوداني
بتمويل ذاتي ومكون محلي خالص، وهو بهذه الصفة يمكن اعتباره (نقلة تاريخية)
لم يعرف السودان لها مثيلاً في تاريخه والذين قاطعوه ارتكبوا خطأ تاريخي
فادح عليهم ان يتحملوا نتيجة خطأهم وحدهم!
اما النقطة الثانية
والمتعلقة بالحركة الشعبية قطاع الشمال والمرتبطة بدورها بالمنطقتين جنوب
كردفان والنيل الازرق فإن النظرة الموضوعية المتجردة أيضاً تقتضي الاقرار
بوجود مظالم وإشكالات في هاتين المنطقتين شأنها شأن مناطق اخرى في السودان
ولكن ليس من العدل في شيء -مهما كانت درجة هذه المظالم- اعطاء أي خصوصية
سياسية للمنطقتين على يد الحركة الشعبة على غرار ما حدث في نيفاشا 2005.
لا
مجال لحكم ذاتي قد يفضي عاجلاً أم آجلاً لتقرير مصير ولا مجال لخصوصية
تلهب مشاعر قادة قطاع الشمال لكي يتطلعوا الى دولة جديدة. الثمن الباهظ
الذي دفعه السودان بشأن جنوبه ما يزال ماثلاً في الاذهان إذ ان الانفصال
الذي قادته الحركة الشعبية بعيداً عن رغبة المواطنين الجنوبيين هو الذي
يدفع الجنوب الآن والسودان ودول المنطقة ثمنه غالياً. صراع واقتتال على
السلطة بلا أي معنى. فساد مالي وسياسي لا نهاية له والجوع والمرض يفتك
بالمواطنين الجنوبيين.
التاريخ لا يمكن ان يعيد نفسه بهذه السذاجة
والبساطة، كما أن لعبة قطاع الشمال في المنقطتين في ظل إرتباطها بالحركة
الشعبية الحاكمة في دولة الجنوب ظاهرة وماثلة للعيان. لعبت الحركة الشعبية
الام بدولة الجنوب وتسعى الحركة (الابنة) للعب بالمنطقتين!
النقطة
الثالثة وتتعلق بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وهذه نقطة الفيصل فيها حقائق
الواقع على الارض بعد الاعلان عن المخرجات بجداولها الزمنية، كما ان الفيصل
فيها وجود آلية 7+7 التي يتعين عليها متابعة الانفاذ وثالثاً وجود الجمعية
العمومية للحوار التى هي صاحبة السلطة العليا فيه.
تعليقات
إرسال تعليق