المخاطر الجدّية للحكومة الانتقالية!

فى سباق الحريات السياسية التى وفرتها على الاقل أجواء الحوار الوطني الدائر حالياً فى السودان طرحت بعض القوى السياسية رؤاها السياسية واقترحت -فيما إقترحت- ضرورة قيام  حكومة انتقالية، تعقبها -كالعادة -إنتخابات عامة.
الأمر مألوف ومكرر لأكثر من مرة فى السودان فى تاريخه الحديث. حدث ذلك فى اكتوبر 1964 عقب الاطاحة بحكومة الرئيس ابراهيم عبود، ثم حدث للمرة الثانية فى ابريل 1985 عقب الاطاحة الشعبية بحكومة الرئيس جعفر نميرى. الملاحظات الجوهرية البالغة الأهمية بشأن هاتين الحالتين تتركر فى عدة نقاط مركزية: أولها، أن الحكومات الإنتقالية تلك جاءت فى عقب إطاحة شعبية. ثانيها، أن الحكومات الإنتقالية تلك جاءت فى اعقاب حكومتين (نوفبر ومايو) لم تتمتعا قط بتجربة انتخابية، ففي حكومة الرئيس عبود لم تجرِ أية انتخابات سواء للرئيس عبود أو حتى لبرلمان. وفى حكومة الرئيس نميرى -كما هو معروف تاريخاً وموثق- كانت تجرى عملية (استفتاء) فقط على الرئيس, وإن جرت انتخابات لما كان يعرف بمجلس الشعب. فلا الرئيس عبود ولا الرئيس نميري -مع كامل  تقديرنا واحترمنا البالغ لهما- لم يخوضا عملية انتخابية من أي نوع, سواء كان متفقاً عليها أو مختلفاً عليها أو متهمة بالتزوير! من الطبيعي إذن أن يتم انشاء (وضع انتقالى) عقب نظامين بهذه الصفة لإستعادة الممارسة الديمقراطية وإعادة تهيئة مناخها المطلوب. الأمر بالنسبة للحكومة السودانية القائمة الآن مختلف جوهرياً فهي من جهة أولى خاضت عدة عمليات إنتخابة تجاوزت الأربعة مرات والملفت فى ذلك أن شد خصومها فى المعارضه نافسوها فى هذه العمليات الإنتخابية, بعضهم أضطر للانسحاب وبعضهم لم يوفق، وهذه أمور موثقة ومعروفة وعادة تقرأ تاريخياً فى سياقها الموضوعي. ومن جهة ثانية فإن إثنين على الاقل من هذه العمليات الإنتخابية (انتخابات ابريل 2015)  و(انتخابات ابريل 2015) حظيت بمراقبة اقليمية ودولية. أردنا أن نستخلص من ذلك أن النظام الحالى فى السودان بطريقة أو بأخرى هو نتاج ارادة شعبية على اية حال كما أنه توجه توجهاً واضحاً نحو الديمقراطية وهو أمر في علم العلوم السياسية محمود، ويكشف عن تطور النظام السياسى والتدرج الطبيعى المطلوب نحو التأسيس لممارسة الديمقراطية. ولهذا فإن المطالبة بحكومة انتقالية -مع احترمنا لطارحي المقترح سوف يتسبب بعدة مسالب: أولاً، يعيد إنتاج الأزمة والحلقة المفرغه التى فى ظل يدور فيها السودان من حكم تعددى الى عسكري إلى انتقالي . وقد آن الأوان للخروج من هذه الحلقة اللعينة.
ثانياً، يمنح البلاد سمة عدم الاستقرار السياسى وافتقاد الثقة فى حكومات السودان اذ لن يطمئن أحد لأي حكم قائم طالما أنه قابل للتغيير والانتقال فى  دورة حلزونية لا تنتهى .
ثالثاً، يعطي انطباعاً خاطئاً لدى حملة السلاح -غير المسنودين جماهيرياً- بأن عليهم انتهاز الفرصة الإنتقالية للإنقضاض على السلطه لأن الحكومات الإنتقالية كما شهدناها مراراً من قبل حكومات بطبيعتها هشة وضعيفة وتستعجل انقضاء تكليفها. وعلى ذلك فإن الحكومات الانتقالية تزعزع ثقة الجماهير بأحزابها السياسية المزعزعة أصلاً, كونها عادة تنتظر الوصول الى السلطة بهذه الطريقة لتعبث وتعم الفوضى ويشتهي الناس حكماً قابضاً ينهى تلك الفوضى. من الأفضل ترك النظام السياسى يتطور ويرتقى بطريقة تلقائية بمشاركة كل القوى السياسية اذا كان المقصد أصلاً لمصلحة تطوير الممارسة الديمقراطية ولم يكن لإسقاط طرف والحلول محله نكاية فيه ولإشباع نهم السلطة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة