يدور جدل كثيف هذه الأيام في السودان حول الخطوة التي اتخذتها الحكومة
السودانية التي قضت بقطع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إيران. الجدل
الدائر في مجمله، إما أنه يحوي اتهاماً بممالأة الخرطوم للرياض ومسايرتها
في موقفها حيال إيران؛ أو يرده آخرون إلي أن السودان قرر فك ارتباطه
بالجمهورية الإيرانية لصالح علاقاته الإستراتجية للخليج.
هذا الجدل ـ للأسف الشديدـ ليس موضوعياً ولا يتسم بالحد الأدنى من القواعد المتعارف عليها في علم العلاقات الدولية.
والأكثر
أسفاً أن الكثيرين وفي مقدمتهم قادة سياسيين كبار في صف المعارضة يبسِّطون
الأمور تبسيطاً تسطيحياً ممعن في السذاجة ويزعمون أن السودان بات يقتفي
ـبعينين معصوبتين ـ سياسة ومواقف دول عربية بعينها في المنطقة.
ومما لا
شك فيه أن الأمر غير ذلك تماما، ولا صحة البتة لهذه التفسيرات المنعدمة
القيمة التي يطلقها البعض، وللتدليل علي موضوعية الخطوة التي اتخذها
السودان بكامل أرادته وبدراسة وافية للملف بكامله، فإن البروفسير إبراهيم
غندور وزير الخارجية السوداني وفي حوار صحفي أجري معه مؤخراً عقب زيارة له
إلى العاصمة المصرية القاهرة، أوضح هذه النقطة بجلاء حيث أبان:
أولاً،
قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران جرى في سياق متعارف عليه في
العلاقات الدولية، حال قيام دولة بخرق الأعراف الدولية والتقاليد المرعية
والتدخل في شؤون لآخرين والتعدي علي البعثات الدبلوماسية. البروفسير غندور
أوضح أن هذا المسلك غير مقبول دولياً.
ثانياً، البروفسير غندور قال أن
المسلك الإيراني اخضع لبحث متأني ومكثف داخل أروقة الخارجية السودانية
ووضعت مجموعة من الخيارات التي عادة ما توضع في مثل هذه الحالات، ومن ثم تم
رفعها للرئيس والذي قرر اتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية.
من هاتين
النقطتين يمكن أن نستخلص مؤشرات موضوعية مهمة: أولها، أن قرار قطع
العلاقات الدبلوماسية مع إيران جري في إطار مهني محض يتعلق بالتزامات
الدولة حيال القانون الدولي والبعثات الدبلوماسية. وهو بهذه المثابة ليس
مجرد قرار سياسي انفعالي أو لحظي، أو مبني علي إملاء دولة من الدول. وهي
أمور -بحسب خبراء مخضرمين في الخارجية- تجري في إطار روتيني ومهني معتاد
وفق معطيات معروفة.
ثانيها، القرار له خلفيات ومراحل، فهو بمثابة قراءة
شاملة ومتأنية لمجمل تصرفات الدولة الإيرانية، مع تحليل دقيق عادة ما يتوصل
إلية الخبراء المعنيين الآثار السالبة لما أقدمت علية إيران، مع استصحاب
تصرفات سابقة. ففي حالة إيران فإن اقتحام مقار البعثات الدبلوماسية وانتهاك
حرمتها أمر معروف منذ أول حالة جرت في العام 1979عند احتلال السفارة
الأمريكية في طهران بواسطة الطلبة الإيرانيين ثم تلتها أحداث مماثلة في
بلدان أخري لا يتسع المجال لذكرها تفصيلاً.
هذا يعني أن المسلك الإيراني
وبغض النظر عن أي شيء آخر في حاجه ماسة إلي تصحيح. ويعتبر قطع العلاقات
الدبلوماسية في عرف العلاقات الدولية وقواعدها ـوسيلة من وسائل تعديل
وتصحيح مسلك الدول.
إجمالا فإن قرار السودان بقطع علاقاته مع إيران يجب
النظر إليه في سياقه الفني المعتاد، ومن المستحيل ووفق ما عرف عن السياسة
الخارجية السودانية منذ أكثر من ربع قرن من الزمان من استقلال واعتداد
بالذات أن يملى أحداً علي السودان موقفاً ما، وما العداء والعقوبات
والدعاية الغربية الواسعة النطاق علي مدي كل هذه السنوات سوى نتيجة
لاستقلال القرار السوداني!
تعليقات
إرسال تعليق