من تناقضات السيد الصادق المهدي!

من تناقضات السيد الصادق المهدي!
قال السيد الصادق المهدي زعيم حزب الآمة القومي في السودان في تصريحات نسبت اليه مؤخرا انه -ومن حيث المبدأ- يؤيد القرار الدولي 1591 والقرار 1593 واللذين أحال بموجبهما مجلس الأمن الدولي في العام 2005 الأوضاع في اقليم دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية
و أنه فقط يدعو اى إعمال نص المادة 16 من النظام الاساسي المنشئ للمحكمة ، والذي يختص بتجميد الاتهامات الموجهة للمسئولين السودانيين بواسطة مجلس الامن –اذا قام نظام الحكم القائم حالياً في السودان بتسليم السلطة للشعب.
 المهدي اشار إلى نماذج الكوديسا و الحقيقة والمصالحة التى جربت في جنوب افريقيا .ربما بدا للبعض من الناحية السياسية المجردة- ان السيد الصادق كعادته يحاول إيجاد تسوية او مخرج استناداً لكونه سياسياً. أو ربما بدا للبعض ان المهدي لا يؤيد ملاحقته المسئولين السودانيين لدى محكمة الجنايات الدولية و في الوقت نفسه يود استغلال هذا الوضع سياسياً لكي يجري به عملية مساومة سياسية.
غير ان الامر من الناحية القانونية و حتى الناحية السياسية الموضوعية لا يبدو كذلك و ذلك لعدة اعتبارات: أولا، ان القرار 1593 و الذي على اساسه تمت إحالة الأوضاع في الاقليم إلى محكمة الجنايات الدولية، بلا شك قرار خاطئ لا يمكن لسياسي حصيف ان يبدي تأييداً له بأي حال من الاحوال لان السودان ليس مصادقاً على ميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية 1998 و الاكثر سوءاً من كل ذلك ان اعطاء مجلس الأمن سلطة الاحالة بموجب ميثاق روما هو من قبيل تسييس العمل القضائي.
هذه النقطة معروفة وواضحة كالشمس، اذ أن مجلس الامن كما هو معروف جهة سياسية دولية تتعامل وفق اعتبارات سياسية ومصالح، ولا يمكن بحال من الأحوال القول انها جهة عدلية بدليل ان لأعضائها الخمس الدائمين حق الاعتراض(الفيتو) وقد رأينا - لسخريات القدر ومفارقاته- ان  ذات مجلس الأمن أحال الامر إلى المحكمة، رفض واعترض على إحالة جرائم اسرائيل إلى المحكمة !
اذن الأمر خاضع للحسابات السياسية والمصالح لا أكثر ولا اقل. ثانياً، الإحالة نفسها لا تتم الا في حالة انهيار الدولة و إنعدام سلطاتها الثلاثة و من بينها سلطة القضاء، إذ ان الشرط الجوهري في الاحالة ألا يكون للدولة المعينة قضاء قادر على التعامل مع الحالة، و الكل يعلم علم اليقين ان الدولة السودانية في العام 2005 – وهو عام اتفاقية السلام الشاملة – كانت تتمتع وما تزال بقضاء قادر و راغب في القيام بواجباته.
ثالثاً، القرارين 1593 و 1591 الصادرين عن مجلس الأمن كانا ينظران إلى الأوضاع في ا قليم دارفور من وجهة كارثية. كانت هناك دعاية عالمية موجهة بأن الأوضاع في دارفور فيها إنتهاكات بشعة و انتهاكات وجرائم حرب فظيعة في حين ان الأمر كان غير ذلك و إلا لما سكت أهل الضحايا -والمهدي ملم بإقليم دارفور وطبيعته تركيبته السكانية- ولما عادت الأوضاع في دارفور لسابق عهدها كما هو عليه الآن للدرجة التى قرر فيها ذات مجلس الأمن الدولي سحب قوات حفظ  السلام (اليوناميد).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة