رفع العقوبات الأمريكية استحقاق دبلوماسي منطقي راجح لا محالة!

من المنتظر أو من الممكن ان تكون قضية حظر التحويلات البنكية التى عانى منها السودان كثيراً قد حلت، بعد ان نجحت الدبلوماسية السودانية والمحادثات المكثفة المتتالية منذ سنوات بين الخرطوم وواشنطن فى محاصرة واشنطن -موضعياً ومنطقياً-

بألاّ جدوى على الإطلاق، ولا فائدة مطلقاً من وراء الحظر الامريكي والعقوبات الأحادية الجانب التى تفرضها الدولة العظمى منذ حوالي 20 عاماً.
ومن المؤكد ان فك بعض قيود التحويلات المصرفية بمثابة مؤشر ايجابي جيد على طريق إزالة ورفع هذه العقوبات العبثية، وغير الانسانية والخالية من اي عنصر من عناصر بناء العلاقات الدولية.
واشنطن وجراء استماعها الى جماعات ضغط فى ظروف زمانية مضت، اتخذت قرارات عقابية ظالمة ضد السودان لا هي استفادت منها استراتيجياً أو تكتيكياً، ولا تركت السودان يبني نفسه ويتجاوز مشاكله ومن ثم يصبح عنصراً فاعلاً في استقرار المنطقة. وطوال الـ20 عاماً الماضية لم تصدر أيّ دراسة أو بحث موضوعي جاد من أي جهات أمريكية عامة أو خاصة تثبت فيها (جدوى هذه العقوبات)!
 صناع القرار فى واشنطن سواء في البيت البيض أو الخارجية او الكونغرس لم يجرؤ أيٍّ منهم على التصريح بأيّ تصريح منطقي يبرر هذه العقوبات. الرئيس أوباما نفسه الذي عادة ما يضع توقيعه على قرار تجديد العقوبات في نوفمبر كل عام، لم تستطع قط طوال فترتيه الرئاسيتين، إيراد أية مبررات موضعية حيال هذه العقوبات.
وزير الخارجية الحالي (جون كيري) الذي إلتقاه الوزير السوداني البروفسير غندور فى لقاءات عديدة ومطولة لم يكن يحتمي خلف مبرر جدير بالاحترام. ولا شك ان المفاوضات والأحاديث ذات الطابع الدبلوماسي الهامس عادة ما تتطلب منطقاً قوياً مشبعاً بالحجج والبراهين وإجابة شافية لسؤال مؤرق ومقلق، كيف لدولة عظمى ترى وتشاهد ما يجري فى دولة اقل منها قوة مثل السودان وهو بالنسبة لها بمثابة (كتاب مفتوح) ان تقرر معاقبته اقتصادياً بحيث ترتبت عليه ذلك:
 1/عقوبات وخيمة فى مجال الصحة والدواء خاصة الادوية المنقذة للحياة الخاصة بالأطفال، هي معاقبة أطفال السودان فى الصحة والدواء يحقق لواشنطن (هدفاً استراتيجياً)؟
 2/عواقب وخيمة في اقتصاد واشنطن نفسها، حيث إن الاقتصاد ما هو إلا تبادل منافع، وقد تأثرت عشرات الشركات الامريكية جراء صعوبة تجاوز الحظر مما اضطر وزارة الخزانة الامريكية فى حالات مختلفة لإصدار قرارات تستثني بعض السلع والبضائع السودانية التى تحتاجها الشركات الامريكية وتدخل في صناعات مهمة. الاقتصاد دورة كاملة، يصعب قطعها من نقطة ما. ما هي الفائدة التى جنتها واشنطن عملياً من قطع دورة الاقتصاد هذه؟ لا فائدة دون شك.
3/ تسوية نزعات السودان الداخلية بين المركز والأطراف يتطلب فى واحدة من أهم عناصره تقديم خدمات وتنمية مناطق النزاعات، فكيف يمكن فعل ذلك فى ظل عقوبات مفروضة على الدولة السودانية بكاملها، بحيث لا تشجع قط على أيّ تسوية بين الاطراف؟
إذن نجح السودان وكان لابد له ان ينجح فى محاصرة واشنطن فى هذا الصدد، فالدولة العظمى كان ينقصها المنطق فيما تفعل، وقد درجت على فعل اشياء عديدة في سياق تصرفات غاشمة ورعناء محاطة بالكثير من سوء التقدير وخطأ الحسابات. وعلى ذلك فإن رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان وبغض النظر عن توقيت تنفيذه، فى ظل الإدارة الحالية المنصرفة او الإدارة الجديدة المقبلة، هو استحقاق دبلوماسي منطقي ليس من الضروري ان يكون مجرد مطلب سوداني مشفوع بتوسلات دبلوماسية؛ هو استحقاق طبيعي لا تملك واشنطن سوى الاستجابة له، عاجلاً أم آجلاً، ولعل الامر الذي تتحسب له واشنطن -رغم لك قوتها وجبروتها- انه من الخير فعل الشيء بكامل الطوع والاختيار وفى إطار انساني نبيل بدلاً من فعله على نحو اضراري واستدراكي فالدول الكبرى تقع في اخطاء والكثير من هذه الاخطاء في أحايين كثيرة تمرِّغ أنفها فى لحظة تاريخية فاصلة وتدفعها دفعاً لاتخاذ قرار وهي مجبرة بفعل ظروف ومعطيات أقوى منها!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة