بالتأكيد
سيظل تاريخ العاشر من أكتوبر بمثابة مفترق طرق تاريخي غير مسبوق فى
التاريخ السوداني الحديث. الأمر هنا لا يتعلق بإمكانية التسوية السياسية
الشاملة. او المنقوصة مع اطراف المتنازعة. ولا يتعلق بما اذا كان هناك من
ارتضى خيار
السودانيين ورؤيتهم الشاملة التى عكفوا علي بلورتها منذ أشهر طوال وشاقة
ومضنية. الأمر هنا يتعلق بأمور استراتيجية ضخمة للغاية، اذا جاز لنا
تعدادها فهي تمثل فى:
أولاً، بلورة رؤية جمعية عامة بشأن قضايا الحكم والإدارة. هذه الرؤية هي
في حد ذاتها بمثابة (مسودة دستور دائم) . ويمكن الجزم على ذلك ان هذه هي
المرة الأولى التى يتوافق كل السودانيين وعبر نقاش مطول ومستفيض على عناصر
أساسية متفق عليها لدستور دائم.
فإذا لم يكن لمشروع الحوار الوطني فى مجمله سوى هذه الميزة التاريخية
المهمة، فهي وحدها تكفي، لأن من المفروغ منه ان السودان ومنذ استقلاله فى
العام 1956، لم يحصل حتى الآن على دستور دائم متراضى عليه، ظلت الدساتير
السودانية طوال النصف قرن الماضي دساتير انتقالية طارئة يصعب التأسيس
عليها.
ثانياً، وضع أساس متين لا يمكن الاستهانة به لكيفية معالجة القضايا
الوطنية والخلافات بين الفرقاء السودانيين، فهو ببساطة عبر آلية وطنية و
منصّة داخلية لإغلاق الباب نهائياً أمام المنصات والقاعات المثقلة
بالفواتير الباهظة والتدخلات فى الشئون الداخلية.
كل الذي كان يجري فى السابق ان الحكومة المركزية تفاوض المعارضين سواء
كانوا ساسة أو حملة سلاح وتسترضيهم وتعمل على إعادة إدماجهم وطنياً. الآن
حدث تحول استراتيجي فقد اصبحت هناك (وثيقة وطنية) صالحة لجمع شمل كل هذه
المكونات، ومن شأنها ان تمنحهم دون عناء حقوقهم وتحدد لهم واجباتهم.
رابعاً، بصرف النظر عن نظام الحكم القائم حالياً ومدى رضاء البعض أو عدم
رضائهم عنه، فالمهم هنا ان هنالك وثيقة وطنية ملزمة ينبغي عليهم احترامها
والعمل على إنفاذها، وجدية التنفيذ والاحترام هي التى تقدم المزيد من
الدفع والدعم للعجلة الوطنية، وتتجلى اهمية هذه النقطة فى ان السودان بحق
وحقيقة في حاجة فقط الى وثيقة ينطلق منها الكل ويحترمونها لكي يؤسسون
لتداول سلمي للسلطة فى المرحلة القادمة صعب للغاية، لأن ما هو مطلوب ليس
بالضرورة ان يتم تنفيذه بأدوات السلطة، هناك حاجة لنقاشات وأنشطة وطنية
تحث وتحض على دعم البناء الوطني فى شتى المجالات، الكل يقدم ما لديه
للمصلحة العامة.
الكل يضحِّي من اجل تثبيت دعائم الدولة نفسها فالحكومات تذهب وتجيء، ولكن تبقى الدول والمؤسسات!
تعليقات
إرسال تعليق