ما بين القاهرة وجوبا.. الجغرافيا تمنح الخرطوم مزايا نادرة!
هي نفسها الجغرافيا التى حاول الكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل
السخرية عبرها من السودان، وتجريده من أية مزايا، هي نفسها الجغرافيا التى
تلعب الآن دوراً مفصلياً حاسماً في بلدين جارين أحدهما فى شماله والآخر
فى جنوبه.
بعبارة أوضح فإن القدر الجغرافي الذي جعل من السودان عمقاً استراتيجياً لجمهورية مصر و(باباً) خلفياً بالغ الأثر والأهمية، هو نفسه القدر الجغرافي الذي جعل من السودان أيضاً عمقاً استراتيجياً مؤثراً للغاية لدولة جنوب السودان. ولعل ابلغ رد على سخرية هيكل تلك أن الرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور كان قد بعث رسالة الى نظيره السوداني، المشير البشير إبان انعقاد القمة الإفريقية الثانية والعشرين فى العاصمة الإثيوبية أديس مؤخراً يطلب فيها دوراً سودانياً يعيد مصر الى الاتحاد الإفريقي!
وبالطبع ما كان يمكننا أن نتصور أن أعرق دولة عربية وافريقية فى المنطقة تلجأ الى السودان في هذا الأمر الاستراتيجي الخطير لو أن السودان كان فقط مجرد جغرافيا! فالجغرافياً إنما تدرس فى المدارس والكليات جنباً الى جنب مع التاريخ؛ والتاريخ بطبيعة الحال لا يملكه أحد.
والواقع أن السوداني وجد نفسه مؤخراً يلعب أدواراً صعبة حيال جارتيه القاهرة وجوبا ولكنه على أية حال لعبهما بمهارة. ففي أقصى جنوبه كانت قد دارت رحى معركة داخلية مدمرة ودامية، ولو كان للسودان عقلية سياسية مختلفة، لإستفاد الى حد التخمة من ذلك الصراع الكبير دون أن يلومه أو يعاتبه أحد، ففرنسا التى تبعد ملايين الأميال عن أفريقيا الوسطى -بغض النظر عن الفرق بين الحالتين- لم يلمها أحد حين أنزلت قواتها نهاراً وبطائرات عسكرية فرنسية فى العاصمة (بانغي) وخاضت فى الدماء والأشلاء ليدين لها الأمر فى النهاية ولو بثمن باهظ.
السودان كان يملك (حق الدفاع الشرعي) حيال النزاع الجنوبي الدامي، فخبراء الإطفاء يؤكدون أن ألسنة اللهب مرشحة دائماً للمناطق القريبة، كما أن النيران لا تنتقل بجوازات سفر أو تأشيرات دخول. غير أن الموقف السياسي المعتدل الدافئ الذي وقفه السودان والجهود التى قادها ضمن دول الإيقاد حدت من الصراع، ولم يطالب السودان حتى الآن بمقابل ما قام به، وأقله وأدناه أن تخرج الثورية وهي تجرجر أذيالها من دولة جنوب السودان خروجاً نهائياً بلا عودة.
وعلى الصعيد المصري فإن احتفاظ السودان أيضاً بموقف عقلاني راشد ورباطة جأش سياسية قوية قلل من نزيف الدم المصري وذلك لأننا لو تخيلنا أن السودان (دعم الشرعية) وفتح أبوابه على مصراعيها لقادة التيار الإسلامي المطاردون هناك ليلوذوا بالسودان ماذا كان سيكون الحال في قاهرة المعز؟ وهنا نلاحظ أيضاً وبذات القدر أن السودان وحتى هذه اللحظة لم يطالب بثمن، وأقله أن تتم تسوية ملفات النزاعات الحدودية ولو بصفة مؤقتة ومبدئية.
إذن نحن أمام صورة قل أن تتكرر فى التاريخ، فقد حافظ السودان على نيران كانت من فوقه -تلقاء مصر- ونيران من تحته- تلقاء دولة الجنوب، واستطاع أن يحتوي (كلا النارين) بأدوات إطفاء سياسية ناجعة ومؤثرة وفى ذهنه أنها الجغرافيا، تلك التى تجعل من الآخرين فى مأمن من الشرور طالما أن السياسة ليست فقط فن الممكن ولكنها فن ما لا يطاق!
بعبارة أوضح فإن القدر الجغرافي الذي جعل من السودان عمقاً استراتيجياً لجمهورية مصر و(باباً) خلفياً بالغ الأثر والأهمية، هو نفسه القدر الجغرافي الذي جعل من السودان أيضاً عمقاً استراتيجياً مؤثراً للغاية لدولة جنوب السودان. ولعل ابلغ رد على سخرية هيكل تلك أن الرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور كان قد بعث رسالة الى نظيره السوداني، المشير البشير إبان انعقاد القمة الإفريقية الثانية والعشرين فى العاصمة الإثيوبية أديس مؤخراً يطلب فيها دوراً سودانياً يعيد مصر الى الاتحاد الإفريقي!
وبالطبع ما كان يمكننا أن نتصور أن أعرق دولة عربية وافريقية فى المنطقة تلجأ الى السودان في هذا الأمر الاستراتيجي الخطير لو أن السودان كان فقط مجرد جغرافيا! فالجغرافياً إنما تدرس فى المدارس والكليات جنباً الى جنب مع التاريخ؛ والتاريخ بطبيعة الحال لا يملكه أحد.
والواقع أن السوداني وجد نفسه مؤخراً يلعب أدواراً صعبة حيال جارتيه القاهرة وجوبا ولكنه على أية حال لعبهما بمهارة. ففي أقصى جنوبه كانت قد دارت رحى معركة داخلية مدمرة ودامية، ولو كان للسودان عقلية سياسية مختلفة، لإستفاد الى حد التخمة من ذلك الصراع الكبير دون أن يلومه أو يعاتبه أحد، ففرنسا التى تبعد ملايين الأميال عن أفريقيا الوسطى -بغض النظر عن الفرق بين الحالتين- لم يلمها أحد حين أنزلت قواتها نهاراً وبطائرات عسكرية فرنسية فى العاصمة (بانغي) وخاضت فى الدماء والأشلاء ليدين لها الأمر فى النهاية ولو بثمن باهظ.
السودان كان يملك (حق الدفاع الشرعي) حيال النزاع الجنوبي الدامي، فخبراء الإطفاء يؤكدون أن ألسنة اللهب مرشحة دائماً للمناطق القريبة، كما أن النيران لا تنتقل بجوازات سفر أو تأشيرات دخول. غير أن الموقف السياسي المعتدل الدافئ الذي وقفه السودان والجهود التى قادها ضمن دول الإيقاد حدت من الصراع، ولم يطالب السودان حتى الآن بمقابل ما قام به، وأقله وأدناه أن تخرج الثورية وهي تجرجر أذيالها من دولة جنوب السودان خروجاً نهائياً بلا عودة.
وعلى الصعيد المصري فإن احتفاظ السودان أيضاً بموقف عقلاني راشد ورباطة جأش سياسية قوية قلل من نزيف الدم المصري وذلك لأننا لو تخيلنا أن السودان (دعم الشرعية) وفتح أبوابه على مصراعيها لقادة التيار الإسلامي المطاردون هناك ليلوذوا بالسودان ماذا كان سيكون الحال في قاهرة المعز؟ وهنا نلاحظ أيضاً وبذات القدر أن السودان وحتى هذه اللحظة لم يطالب بثمن، وأقله أن تتم تسوية ملفات النزاعات الحدودية ولو بصفة مؤقتة ومبدئية.
إذن نحن أمام صورة قل أن تتكرر فى التاريخ، فقد حافظ السودان على نيران كانت من فوقه -تلقاء مصر- ونيران من تحته- تلقاء دولة الجنوب، واستطاع أن يحتوي (كلا النارين) بأدوات إطفاء سياسية ناجعة ومؤثرة وفى ذهنه أنها الجغرافيا، تلك التى تجعل من الآخرين فى مأمن من الشرور طالما أن السياسة ليست فقط فن الممكن ولكنها فن ما لا يطاق!
تعليقات
إرسال تعليق