سعى ما يسمى بقطاع الشمال -قدر إمكانه- للاستثمار السريع العائد فى الأزمة
المصرية الراهنة، إذ أن ما يؤسف له أن القطاع أصدر بياناً الأسبوع قبل
الماضي مهره بتوقعيه فى القاهرة يتهم فيه (بعض السودانيين) بالعمل والقتال
جنباً الى جنب مع المقاتلين هناك!
كان اللافت فى الطريقة التى تمت بها
صياغة البيان وتعميمه على الشبكة العنكبوتية أنه سعى لتأليب الرأي العام
المصري –حتى وهو فى حالته الراهنة على السودانيين المقيمين فى الشقيقة مصر
وهم بالملايين! ظناً من القطاع أن وجود الأخوان المسلمين طرف فى الأزمة
لابد أن يستصحب معه نظرائهم فى السودان كطرف مساند لهم فيها.
هذا
الموقف يمكن أن نكتشف فيه عدداً من الأمور السالبة التى تفصح عن نفسها
بسذاجة القطاع وعجزه وفشله فى فعل شيء فى السودان، ففكر وقدر فى محاربة
السودانيين، انطلاقاً من القاهرة وفي ميادينها الفسيحة المزدحمة.
أولها
أن القطاع – الفاقد أصلاً للوازع الوطني – تبرع (من عنده) بعملية تحريض ضد
مواطني بلاده دون أن يطلب منه أحد ذلك، وهذه (خصلة سياسية) نادرة الحدوث
فى الدنيا بأسرها لأنها تعني خلع القميص الوطني الشريف وارتداء ملابس
أجنبية خانقة لا تنسجم مع الزيّ الوطني السوداني الشريف.
ثانياً، يبدو
أن القطاع أجرى حساباته و (قرر تقديم قرابين سياسية) مقدماً للنظام الحالي
القائم فى القاهرة حتى يتسنى له لاحقاً حجز مقعد مريح فى القاهرة ينطلق منه
لمعاداة ومكايدة الخرطوم، فقد اعتبر القطاع بهذه المثابة أن الصراع هناك
محسوم لصالح السلطة القائمة وأن الأخوان المسلمين خارجين لا محالة عن
المعادلة السياسية ولذا عليه –حسب فهمه وتقديره– أن يستمر منذ اللحظة ببذر
البذور حتى إذا هطلت أمطار النظام أنبتت سنابلاً له يتغذى بها ويستعين بها
على مقاتلة بلاده من أقرب عاصمة مجاورة له.
الأمر الثالث يبدو أن
القطاع أيضاً –وهذا من لغة البيان المرتبكة– بات يغشى خشية حقيقية من أن
يكتمل التقارب بين الخرطوم وجوبا ويتوقف دعمه وتقدمه جوبا قرباناً هي
الأخرى الى الخرطوم بحثاً عن مصالحها ومن ثم لا يجد له منصة انطلاق، ففضّل
(حجز منصة) مبكراً في القاهرة ولكن بثمن بالنقد السياسي الأجنبي، وبالعملة
الصعبة الباهظة.
الأمر الرابع أن القطاع – الذى فشل في الوجود سياسياً
داخل السودان – يبني إستراتيجيته على العمل المسلح، ولذا اعتقد أن إشعال
فتنة بين القاهرة والخرطوم تخدم أجندته، فنشر ذلك البيان ليس لاستدرار عطف
القاهرة فحسب وهي فى هذا الظرف العصيب الحرج – ولكن أيضاً للقضاء على
خصومهم من السودانيين في قاهرة المعز، وهذا آخر ما يمكن أن يفعله سوداني
حقيقي يؤمن بغلاوة الدم السوداني.
وهكذا فإن الذين أشعلوا أبو كرشولا
ونصّبوا المشانق وفعلوا الأفاعيل قبل أشهر واعتقدوا أن العالم قد نسي ذلك –
لذاكرته الخربة – لبسوا ثياب الواعظين فى القاهرة وراحوا يستثمرون فى الدم
المصري المتدفق هناك تماماً كما يفعل مصاصي الدماء الذين تجتذبهم في أي
بقعة رائحة الدماء الحارة المميزة!
تعليقات
إرسال تعليق