من المفيد بدايةً أن نقرر أن الاقتتال القبلي فى دارفور واحداً من سمات
الإقليم المتوارثة منذ مدة طويلة – الفارق الجوهري فى ما كان يحدث فى
السابق وما يجري الآن أن الاقتتال القبلي فى السابق كان فى أوقات متباعدة
ولأسباب تخص المرعى والمزارع وأن الأعراف القبيلة سرعان ما تنجح فى احتوائه
وكبح جماحه قبل أن يستفحل، كما كان عدد الضحايا قليلاً للغاية بالنسبة
للضحايا فى الوقت الحاضر.
وتشير متابعات (سودان سفاري) الى أن الذين
سقطوا فى مواجهات قبلية فى الفترة من العام 1983 وحتى العام 1993 لا يتعدى
الـ70 شخصاً وأن الحملة الشهيرة التى قادها الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير
لجمع السلاح فى دارفور فى تسعينات القرن الماضي أسهمت فى أن يشهد الإقليم
فترة من الهدوء امتدت الى مطلع الألفية الثالثة وبالإمكان بهذه المثابة
قراءة الفارق الشاسع فى عدد الضحايا ما بين تلك الفترة والفترة الحاضرة.
فيا
ترى ما هي أو بالأحرى من هو الرابح من هذه العملية وما فتئ يؤججها لتصبح
هاجساً؟ الواقع ليس من السهل الوصول الى الجاني الحقيقي نظراً لتضافر
وتداخل عوامل شتى بعضها طبيعي وبعضها مصطنع هي التى تسهم فى هذه الموجة
الهادرة من المواجهات، فمن جانب فإن اتساع رقعة القتال فى الإقليم فى
الفترة من 200 وحتى العام 2009 زادت من كمية السلاح المنتشر فى الإقليم وقد
وجدت إسرائيل سانحة نادرة وفقاً لتحالفاتها مع حركات دارفورية خاصة حركة
عبد الواحد نور لملء الإقليم بالسلاح الذى كان يهرَّب من ليبيا وتشاد
بكميات مهولة، ومن المعروف أن الحرب التى دارت رحاها فى دارفور فى ذلك
الوقت جعلت معظم القبائل تحصل على السلاح بغرض الدفاع عن نفسها، فانتشار
السلاح بكثافة إذن، واحد من الأسباب.
الأمر الثاني أن إسرائيل نفسها
اتبعت إستراتيجية نشر السلاح فى أفريقيا منذ العام 1963 وهي إستراتيجية
مهمة لها؛ حصدت نتائجها فى مذابح رواندا (1993) وفى الكونغو وليبيريا فهي،
أي إسرائيل، يناسبها أن يقتتل أهل البلد الواحد فينزوي ويضعف وتخور قواه
حتى لا يقوى ويصبح بعبعاً مخيفاً لها، وعلى ذلك فإن إسرائيل اتبعت وما تزال
تتبع هذه الإستراتيجية عبر الحركات المسلحة فى شحن كميات من الأسلحة
المتنوعة وضمان وصولها الى القبائل المختلفة.
الأمر الثالث إن وجود
قوات اليوناميد فى الإقليم وفشلها فى حماية نفسها ناهيك عن المدنيين عمل
على تغيير ديموغرافية الإقليم و يبدو أيضاً أن الجنود التابعين لليوناميد
دخلوا كعنصر مفسد لأخلاق أهل الإقليم لاختلاف ثقافتهم رغم كونهم أفارقه عن
ثقافة أهل الإقليم.
وأخيراً فإن من المهم الإشارة ايضاً الى أن الحركات
الدارفورية المسلحة التى تشعر بأنها خسرت قضيتها وتلقت هزائم متتالية من
قبل الحكومة والجيش السوداني وبات الإقليم قريباً من الاستقرار عملت على
تأجيج الحروب القبلية بنشر السلاح وبدعم طرف ضد طرف حتى يظل الإقليم ودمه
وجراحه نازفة ويفكر المجتمع الدولي فى جلب قوات أكبر أو التدخل بطريقة
أشمل.
تعليقات
إرسال تعليق