خرج ولن يعد

طال المقام ولكنه دون شك ما طاب بالقيادي المثير للريبة مبارك الفاضل فى واشنطن؛ فمنذ خروجه الشهير تحت لافتة فحواها المشاركة فى ندوات بمعهد السلام الأمريكي قبل نحو من عام ونيف والرجل يحاول كل شيء ليعود رئيساً، ولكنه بقي هناك أنيساً لبعض ضباط وكالة المخابرات المركزية، فلا وثيقة الفجر الجديد -بكل ما أثارته من ضجيج- دفعت بالأمور الى الأمام لصالح عودته (الميمونة)، ولا هجمات الثورية على كردفان قريباً من المركز فتحت له الطريق الى القصر الرئاسي المطل على النيل حاكماً متوجاً بتوقيع أمريكي على شاكلة كرزاي أو بول برايمر.
الآفاق التى كان يراها مبارك واسعة أمامه، انسدت تماماً، فالثورية وصل بها الحال الى درجة (التوسل) للخرطوم لكي توقف إطلاق النار متحججة بأغراض إنسانية! لن يصدق حتى أكثر الناس جنوناً أن الثورية التى عاثت ذبحاً وتقتيلاً تحت الأشجار وتمثيلاً بالجثث فى أبو كرشولا، تتوسل الآن باكية بحثاً عن (هدنة) لتمرير مساعدات إنسانية!
شيء يفوق الخيال والأساطير وكان محتماً أن تصل الثورية الى هذا الدرك السحيق طالما أن خططها شارك فيها مبارك الفاضل ومنّاهم ووعدهم بأنها (سويعات) ويجتاحون المركز (وما تبقى) سهل وميسور.
ولعل من سخريات القدر أن مبارك الفاضل استخدم ذات البساطة التى استخدمها فى العام 1998 وهو يوجه وكالة المخابرات الأمريكية لضرب مصنع الشفا للأدوية بضاحية الخرطوم بحري بدعوى صناعة أسلحة كيمائية!
ذات البساطة أوحى بها لقادة الثورية بمهاجمة (منطقة قريبة من المركز) يتداعى لها سائر جسد الحكومة بالسهر والحمى فتسهل عملية الإجهاز على النظام. والشيء المستغرب أن مبارك الفاضل –وهو يتابع عملية الهجوم من مخمله الناعم فى واشنطن– لم تصدمه دماء بني جلدته وحزبه من الأنصار الذي نحرتهم الثورية بوحشية فى عقر دارهم!
لقد أرشد الفاضل عن أهله وإخوته فى الحزب والعقيدة والوطن ليكونوا أول الضحايا. رجل قضى عمره كله فى قاعات وغرف التأمر على بلده، رغم إقتران أسمه بأحد أكبر قادة هذا البلد ثوريةً ووطنية وهو الإمام المهدي.
أكثر من عشرين عاماً قضاها مبارك الفاضل تارة مخططاً لهجمات قوى التجمع الوطني على شرق السودان، وتارة شاقاً وعاقاً لحزبه فى محاولة ساذجة منه (للسيطرة على القادة فى القصر)! وتارة محاولاً العودة الى حزبه ولكن في مقعد قيادي (متقدم جداً) وحين لم يجد ما أراده خرج ليعرض نفسه -بضاعة مزجاة- للأمريكيين يشترونها بلا ثمن ويبيعونه الوهم والخيال.
لم يشهد السودان فى تاريخه الطويل المليء بالعبر والدروس (رجلاً عدواً لنفسه) و (عدو لوطنه) كما مبارك الفاضل، وليت نضاله هذا لصالح الوطن الكبير فلربما عذرناه ولكن نضاله من أجل المقعد الرئاسي الذي يُحمَل إليه على ديباج ومخمل. ولن تجد سياسياً واحداً فى صفوف المعارضة بكل أطيافها يقول لك إن مبارك الفاضل (معنا). الرجل فقط (مع نفسه، وما يزال يؤمل ويتطلع وينتظر وإن طال انتظاره!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة