30 يونيو هنا و30 يونيو هناك.

{ 30 يونيو الذي صادف يوم أمس هنا في السودان هو يوم الذكرى الرابعة والعشرين لتحرك انقلاب الإسلاميين الناجح في 30 يونيو 1989م، ولعله أكثر يوم سعد فيه الراحل الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري بعد إطاحته في 6 أبريل عام 1985م. وقيل إن هناك من ظن في الساعة الأولى بعد إذاعة بيان الانقلاب أنها العودة الثانية للرئيس نميري فجاءت هذه المرة بعد أربعة أعوام لكن هذه فترة طويلة، ونميري في المرة الأولى قد عاد بعد ثلاثة أيام مدعوماً من الشارع ضد الشيوعيين لكن نفس الشارع أطاحه بالضغط على المؤسسة العسكرية، لذلك تبقى عودته الثانية غير ممكنة ما لم تكن بانتخابات بعد تقييم تجربة من أطاحوه، وهي تجربة مكررة كما هو معروف. فبعد إطاحة حكم نميري جاءت الديمقراطية للمرة الثالثة، وهذا ما يطرح السؤال القائل لماذا فشلت الديمقراطيتان الأولى والثانية؟! فشلت الأولى عام 1958م بسبب الصراعات الحزبية والانشغال بها عن المصلحة العامة، وفشلت الثانية عام 1969م بسبب سوء تأمين النظام الديمقراطي وتعريضه لأصحاب الطموحات داخل القوات المسلحة وقتها.
وما فشلت به الثانية فشلت به الثالثة في 30 يونيو 1989م. فقد تراخى رئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدي في حماية النظام الديمقراطي من رياح التغيير العسكري وكأنه ظن أن أغلبية الناخبين الذين فوزوا حزبه موجودون داخل العاصمة. فأغلبهم خارجها، وهو نفسه فاز في دائرة بعيدة من العاصمة لذلك لا يمكن أن يراهن على الشارع العاصمي في التصدي لأي اعتداء على النظام الديمقراطي.. خاصة إذا كانت عملية التغيير استلامًا للسلطة باسم الجيش. وبعد تغيير 30 يونيو حمل الصادق المهدي السلاح لمقاومة الحكم الجديد من أجل ما يعتبره استرداد الديمقراطي والحق الانتخابي، لكنه عاد من هذا وهو الآن وفي هذه اللحظة يتبنّى النهج السلمي في المعارضة ويرفض استخدام القوة لتغيير النظام. وهو من الذين يعلمون جيّداً أن القوة المسلحة ما غيرت نظامًا في السودان منذ حملة كتشنر الاحتلالية التي أطاحت الدولة المهدية. وهو يعلم أن التغيير في السودان لا يأتي إلا عن طريق التسليم كما حدث عام 1958م و1964م و1985م أو الانقلاب كما حدث عام 1969م و1989م. وهو الآن يستبعد «الانقلاب»، ولا يرى التسليم ممكناً طبعاً، لكن يمكن أن يكون (التسليم الجزئي). وقد بدأ بالفعل تعيين ابنه مساعداً للرئيس، وهناك تسريب لفكرة زيادة حصة أسرة الصادق المهدي في الحكم، وربما أعيد إلى منصبه القديم الذي حاز عليه بالانتخابات لكن بصلاحيات محدودة مثل رئيس الوزراء المصري هشام قنديل. حينما تمر ذكرى 30 يونيو ليس بالضرورة أن نتحدّث عن تفاصيل طويلة ومملة في هذه المساحة فتلك يمكن أن تسعها بعض صفحات الصحيفة لكن هنا نأتي بجديد مربوط بالمناسبة.
{ أما 30 يونيو في مصر فهو يوم استلام الرئيس المصري المنتخب مرسي السلطة في مصر من القيادة العليا للقوات المسلحة التي استلمتها من نظام مبارك. وفي هذا اليوم أراد بعض المعارضين المصريين أمس أن يتمرَّدوا على نظام ديمقراطي.. لأن المنتخب فيه رئيس إسلامي. فتقويض الديمقراطية الثالثة في السودان كان يوم 30 يونيو. والتمرّد على الديمقراطية «الأولى» في مصر كان  أمس يوم 30 يونيو. إذا نجح المخطط التآمري في مصر هل سيكون الحكام في الديمقراطية الثانية هم أيضاً الإسلاميون ولو بعد حين؟!.
غداً نلتقي بإذن الله..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة