كأمر متوقع ربما يصل الى درجة الحتمية فإن الخلافات سرعان ما بدأت تدب بين
ما يسمى بالجبهة الثورية والأحزاب السياسية السودانية المعارضة. ففي أحدث
أنباء تحصلت عليها (سودان سفاري) من مصادر مطلعة داخل مكونات التحالف، فإن
المتمرد عبد العزيز آدم الحلو وجّه انتقادات لاذعة للأحزاب المعارضة بحكم
الرباط الذي جمعهم فيما يُسمى بميثاق الفجر الجديد.
الحلو وهو يلعق
جراحه المحشوة بملح الهزيمة التى تلقاها فى أبو كرشولا أفصح عن نوايا
حقيقية حيال حلفائه السياسيين، وأصابه حنق كان ولا يزال هو أحد أبرز ما
يعتمِل فى نفسه حيال المكونات السياسية للثورية فوجّه إليهم جامّ غضبه
المشوب باليأس وقلة الحيلة وربما نسي الحلو وهو أصلاً لا يعد فى زمرة
الساسة وإنما هو مجرد سافك دماء لمع نجمه على أيام الراحل قرنق فى تنفيذ
مهام الاغتيالات الصعبة أن ما فعله بحرابه المسمومة فى أبو كرشولا ذبحاً
وتقطيعاً وتعليقاً على سِنان الجزارات لرجال من مختلف الأحزاب السياسية سوف
يجرّ عليه عاجلاً أم آجلاً غضب حلفائه السياسيين، فى الداخل.
هناك
مصادر أخرى تقول ايضاً إن الحلو شعر بأنه (وحده) ضحى كثيراً وواجه الدماء
والرصاص باعتباره قائد العمليات التى جرت وخوفاً من أن يُوصم بأنه فشل في
كسب المعركة، فإنه بادر بشنّ هجوم ليس فقط على حلفائه من السياسيين فى
أحزاب الداخل، ولكن طال هجومه حتى رفاقه وأبرزهم مالك عقار الذي وصفه بأنه
فشل في فتح جبهة موازية ومتزامنة مع الهجوم على أبو كرشولا فى جنوب النيل
الأزرق.
وفيما يبدو أن الخطة كانت تقتضي قيام المتمرد عقار بفتح جبهة
متزامنة فى النيل الأزرق تخفف من الضغط على الحلو فى جنوب كردفان وإرباك
الجيش السوداني تماماً. ومن المؤكد أن الحلو إزداد غيظاً أكثر حين رأى زعيم
حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي يعلن عبر حشده الجماهيري الأخير
مفارقة الثورية على نحو ضمني، وصل مضمون الرسالة منه الى ذهن الحلو فآلمه
غاية الألم بقوله "الباب بفوت جمل".
إن أزمة الثورية فى الواقع هي أزمة
تحالف لم ينشأ على أسس متجانسة. الحلو وعقار وعرمان كانوا يريدون استخدام
الأحزاب السياسية المعارضة كغطاء سياسي؛ مجرد جواد يتم اعتلاء ظهره لعبور
النهر.
الأحزاب المعارضة شعرت بأنها لا تستطيع تقديم (مساعدة) من أيّ
نوع فى معركة اتسمت بسفك الدماء غزيرة وذبح وتقتيل فيكفيها ما لاقته وعانته
من وثيقة الفجر الجديد؛ كما اتضح لها أن الحلو ورفاقه لو قُدر لهم الوصول
الى الخرطوم فإنهم سوف ينصبون (مسلخاً) للجميع، بحيث لن ينجو أحد، ففي
النهاية فإن الهدف هو تمكين الثورية بأبعادها العنصرية من السلطة وبسط
سيطرتها عبر قواتها المختلفة على البلاد.
لقد كان إذن من المحتم أن تقع
الخلافات وتزداد وتيرتها كلما ترامى إلى مسمع الجميع أن جوبا تقترب من
الخرطوم وتتقارب معها وأن من الممكن أن تضطر جوبا فى يوم ما -لدواعي
مصالحها- لبيع الحلو وعقار وعرمان فى (طرف السوق) بأبخس ثمن!
تعليقات
إرسال تعليق