الآن بدأ إقليم دارفور الأكثر شهرة في السودان يعود تدريجياً إلى خارطة
السودان السياسية والاجتماعية الطبيعية بعد ان تم اختطاف الاقليم من قبل
قوى دولية واقليمية في سياق مؤامرة معروفة لم يكتب لها ولو بنسبة 1% من
النجاح.
إقليم دارفور الذي نجح في بسط أمنه واستقراره بوعي أهله
ومثابرتهم، الآن بسط نظامه الإداري المناسب واختار النظام الاداري السائد
في السودان ولم يشذ عنه. ربما وجد في نظام الولايات أسلوباً أمثل لتوزيع
السلطة والثروة بمعادلة عادلة. أو ربما أراد أهله ان يؤكدوا بملء إرادتهم
ان قضيتهم عادية وانها استخدمت اعلامياً لصالح قوى معروفة، أو ربما كانت
عملية الاستفتاء الاداري نفسها -كممارسة ديمقراطية- بدت كتحدي سياسي أراد
أهل دارفور من خلاله ان يثبتوا كفاءتهم السياسية ومعرفتهم بالديمقراطية.
كل
هذه واردة فالإقليم لم يكن أبداً بذلك الوجه الكالح الذي سارت بقصصه
المنسوجة من خيال الميديا العالمية. ولم يكن اقليم دارفور مأساة انسانية أو
مسرح جريمة ولو كان ذلك لما مارس قرابة الـ4 مليون منهم حقهم الديمقراطي
الحر في اختيار وإعادة نوع النظام الاداري لإدارة اقليمهم، وعلى ذلك فإن
مطلوبات التأسيس لبناء هذا الاقليم وإعادة تخطيطه سياسياً و اقتصادياً
واجتماعياً ليواكب متطلبات المرحلة القادمة هي مطلوبات أساسية واستراتيجية،
ما ينبغي للحكومة السودانية ان تتهاون بشأنها.
هذه المطلوبات تتمثل
في: أولاً، نزع السلاح من أيدي المواطنين بشتى السبل القانونية، فقد أسهم
انتشار السلاح جراء النزاعات المجاورة للاقليم في زعزعة استقراره منذ اكثر
من عقدين من الزمان. ثانياً، تخطيط وإعادة تخطيط المعسكرات والمدن و القرى
بطرق نموذجية مثلى مزودة بكافة انواع الخدمات (صحة و تعليم و كهرباء و
مياه) حتى تصبح هذه المدن هي نفسها بمثابة خطوط دفاع أمامية تمنع غائلة حمل
السلاح او مجرد التفكير فيه، فقد تراجعت الحركات المسلحة لأنها -من
الاساس- لم تكن جادة بشأن أي قضية تخص الاقليم، كانت فقط تستخدم قضايا
التهميش وقلة الخدمات كوسيلة للوصول إلى أهدافها الخاصة.
ثالثاً، تشجيع
عملية الاستثمار -بشتى أنواعه- في الاقليم، إذ ان ما لا يعرفه الكثيرون ان
الاقليم زاخر بالموارد. وإذا قال قائل ان الاقليم اشتهر بعدم الاستقرار،
فإن الواقع الماثل الآن ينفي هذه الحقيقة، صحيح أن هناك بعض النزاعات
القبلية من حين لآخر وهناك بعض التفلتات والمجموعات المسلحة المجهولة، هذه
موجودة ولا أحد ينكرها، ولكن يمكن اعتبارها بمثابة (مخاطر عادية) في اقليم
بدأ يتعافى و يمتلك موارد اقتصادية على سطح الارض وفي باطنها لا تقدر بثمن .
تشجيع الاستثمار الوطني في الاقليم في شتى المجالات يؤسس لبنية
اقتصادية قوية من شأنها ان تقفز بالاقليم إلى مصاف الاقاليم الذاخرة
بالاقتصاد القوي. رابعاً، الدعوة و بإصرار للمزيد من عمليات الإنضمام إلى
اتفاقية الدوحة للسلام، فليس من العقل في شيء -وقد رأينا ما آلت اليه
الحركات المسلحة- مناطحة الصخر والمكابرة بشأن حقائق الواقع. لقد استحال
تماماً كسر نواة الجيش السوداني الصلبة و استحال تماماً تحقيق (أهداف خاصة)
باختطاف اقليم بكامله ومصادرة إرادة أهله.
هذه الامور لم تعد مناسبة
في ظل سيطرة الحكومة القوية على الاوضاع في الاقليم ولهذا فإن الطريقة
الوحيدة المناسبة الآن -لمن يمتلك قضية حقيقة- هي الالتحاق بإتفاقية سلام
الدوحة، والعمل جنباً إلى جنب مع أهله ورصفائه من الموقعين عليها من أجل
مصلحة الاقليم. هذه المطلوبات الاستراتيجية كفيلة باستعادة دارفور لعافيتها
وخروجها إلى الأبد من دهاليز المنظمات الدولية و قاعات المؤامرات و
المؤتمرات.
تعليقات
إرسال تعليق