البشير في الفاشر..بداية عهد جديد

الفاشر:جعفر باعو-
قبل عام من الآن وفي ذات التوقيت والمكان، كان رئيس الجمهورية يقف على المنصة وأمامه أهل الفاشر يوعدهم بتحقيق الامن والاستقرار والتنمية بعد فوزه بفترة رئاسية جديدة، وكان ذاك الخطاب الذي حمل الكثير من الوعود ضمن الحملة الانتخابية محفوظاً على جدران ذاكرة أهلنا بالفاشر، واستحضروه وهم بالامس يقفون تحت هجير الشمس الحارقة ليشهدوا ويسمعوا خطاب الرئيس عمر البشير قبل التوجه لصناديق الاقتراع لاختيار النظام الاداري الذي يختاره اهل دارفور لحكمهم حسب اتفاقية الدوحة.
همس من كان يجاورني في الصيوان الذي أعد بعناية كبيرة في ساحة الجيش، وقال لي كأنما الرئيس يعتبر الفاشر فألاً حسناً له، وهو يبدأ زيارته لولايات دارفور الخمس بها حتى رسمت صورة ذهنية عن المودة والمحبة التي يكنها أهل الولاية للرئيس، وبالمقابل يحفها الرئيس بمحبة خاصة، في نفسه، غير أن زيارته للولاية أمس جاءت في توقيتات وظروف مختلفة عن سابقاتها، حيث تتنسم الولاية بالسلام الذي تحقق بدرجة كبيرة فيها باستثناء تفلتات قليلة مقدور على حسمها مثلما قال والي الولاية عبدالواحد يوسف إبراهيم الذي اختار طريقته في الاحتفاء بمقدم الرئيس وذلك عندما استبق زيارته بهدية تحتاجها دارفور بصورة كبيرة وهو يقدم له وصول قيادات من منسوبي حركة عبدالواحد محمد نور، وإعلانهم الانضمام للسلام واللحاق بركبه من فاشر السلطان، وقدم يوسف هذه المجموعة كهدية لمقدم البشير للولاية، خاصة وأن الرجل منذ مقدمه والياً لشمال دارفور قبل نحو ثمانية شهور وضع تحقيق الأمن وفرض هيبة الدولة في سلم أولوياته، هو ما تحقق في الولاية بصورة كبيرة، جعلت الوالي يباهي بما تحقق من أمن ويؤكد أن الأمن بجميع أنحاء شمال دارفور مستتب.
ما بين قوز دنقو ودعم إسرائيل
قبل أن يجلس البشير على مقعده المخصص في منصة تتوسط مكان الاحتفال، فضل إشعال حماس أهل الفاشر أكثر مما هو عليه، وأشار للجمهور بالاقتراب من منصته وهم يكبرون ويهللون، وظل الجميع في لحظات شوق وترقب لكلمة البشير وانتظار مفاجأة في خطابه وعلى الرغم من اقتراب تلك المفاجأة، إلا أنه أمسك عنها ربما لحين عودته بعد الانتهاء من الاقتراع في الاستفتاء، بيد أنه قال لهم (جيناكم قبل سنة عشان موضوع الانتخابات)، وعهدنا معاكم نحقق السلام في دارفور، وتابع (ما بنقول السلام اكتمل، لسه فيهو بواقي)، واستدرك (لكن الذي تحقق ماشوية)، وأردف (نعمة الأمن كبيرة جداً، والآن مافي تمرد في دارفور)، وأضاف البشير (المتمردون الآن قاعدين يحاربوا في ليبيا عشان الدولارات، وجزء من الذين هربوا من معركة قوز دنقو، قاعدين في جنوب السودان). وسخر منهم وقال (الخواجات والإسرائيلين جهزوهم سنتين، وقالوا ليهم حانوصلكم تحكموا الخرطوم، بعد أن تستلموا نيالا وتعملوها عاصمة السودان الجديد، ولكن نهايتهم كانت في قوز دنقو وما أخدو نص ساعة مع قواتنا)، وحيا القوات المسلحة والدعم السريع، وقوات الدفاع الشعبي، وقوات الأمن لما قاموا به في معركة قوز دنقو.
وقال البشير (عبدالواحد محمد نور الناس حنسوهو عشان يوقع للسلام، لكن الليلة وينو)، وتابع (البيابا الصلح ندمان)، وأكد خلو الجبل من المتمردين، وأضاف (إذا كان في حته واحدة حاينضفوها قريب)، مؤكداً جاهزية القوات المسلحة لرفع التمام.
وأكد البشير أن المرحلة المقبلة ستكون لجمع السلاح من يد المواطنين وحصره في يد القوات النظامية. وقال المرحلة الأولى ستكون طوعية، وكل من يسلم سلاحه سيتم منحه مقابل مالي، وأضاف (كل زول بسلم سلاحو حانديهو قروش)، مؤكداً بسط القانون مع رافضي جمع السلاح في المرحلة الثانية.
ولم يخلو خطاب رئيس الجمهورية من التأكيد على أهمية وضرورة الخدمات لمواطني دارفور، مؤكداً على أن المرحلة المقبلة ستشهد نهضة أكبر من التي تحققت في الفترة الماضية.
ما بين عصا موسى وعصا البشير
كان رئيس الجمهورية أكثر وضوحاً كعادته في مثل هذه الخطابات، وقال إن الحاجة للخدمات مازالت كبيرة، و برنامجنا طويل مابنتمو في سنة ولا سنتين، وأضاف ملوحاً للجماهير عصايتي دي ماعصاية موسى دي عصاية عمر البشير، متعهداً باستكمال الخدمات الضرورية للمواطنين من مياه وصحة وتعليم، مذكراً ببرنامجه (زيرو عطش) بأن ينعم كل مواطن في منطقته بمياه نظيفة وصحية، بجانب توفير المياه النقية للحيوانات، معلناً اهتمامه بالرعاية الصحية الاولية، قائلاً (دايرين داية قانونية في كل محلية، لتوفر المتابعة الصحية للأمهات ومتابعتهن أثناء الحمل والولادة)، معلناً عن إصدار قانون قريب بإجبارية التعليم الأساسي، وقال لابد للجميع أن يتعلم. وضرب مثالاً بالدكتور سليمان فضيل وقال (إنه من أكبر الأطباء في العالم وهو من الأبالة، وتابع، لو كان تابع الإبل ما كان وصل للوصل ليهو ده)، مطالباً برفع الوعي الديني وسط المواطنيين، مؤيداً محاربة الامية وسط الكبار بتوفير فرص التعليم لهم، وقال (لما بعدنا عن الدين الشيطان دخل بيناتنا).
وشكل الحديث عن الادارات الاهلية ودورها في المجتمع الدارفوري حضوراً في خطاب البشير، مشدداً على أهمية دورها في المصالحات القبلية لتحقيق الأمن بين المواطنين، بجانب مساهمتهم في رتق النسيج الاجتماعي لتعود دارفور سيرتها الأولى، وقال عقب توقيع طريق الفاشر نيالا ونيالا كاس زالنجي بمقدور المواطن تناول وجبة الافطار في الخرطوم واداء صلاة المغرب في الفاشر، مؤكداً السير على نهج التنمية حتى يتم ربط جميع ولايات دارفور بالخرطوم وغيرها من مدن السودان.
وباهى البشير بأعراف وتقاليد دارفور وقال إن دراسة قامت بها أكبر الجامعات الامريكية أكدت أن أعراف وتقاليد دارفور أفضل طرق المصالحات في العالم، وقال (دايرين زول من اليوناميد يجي يحل ليكم مشاكلكم)، وأضاف (الناس ديل بياخدو دولارات من قعادهم معاكم)، واوضح (نحن نشرد بعض ونقتل بعض عشان آخرين ياخدوا الدولارات)؟!.
وخير البشير النازحين في المعسكرات بين البقاء في المعسكرات أو الذهاب لمواطنهم الأصلية، وقال (النازحين الدايرين يرجعوا أهلهم أهلاً وسهلاً)، مطالباً بتوفير الخدمات ودعمهم حتى لايبقوا في المعسكرات ويتلقوا الإغاثات، وتابع (الماداير يرجع يتم تخطيط المعسكرات وتوفير الخدمات المختلفة لهم)، داعياً ولاة دارفور للقيام بذلك.
وطالب البشير ولاة دارفور ومعتمدي المحليات بترحيل المواطنين لأماكن التصويت للاستفتاء، داعياً إياهم لتوفير الخدمات والأمن لهم حتي يقوموا بدورهم تجاه العملية، وحث المواطنين على ضرورة المشاركة في الاستفتاء بالتصويت لأي من الخيارين، وأضاف ما دايرين نفرض على زول موقف محدد المهم الناس تصوت للبريحها، وحيا رئيس السلطة الإقليمية الدكتور التجاني سيسي، وقال سيسي وقف معنا لإنفاذ الاتفاقية، متعهداً باستكمال ما تبقى منها.
الصرف على الخدمات والتمرد
حينما قال والي شمال دارفور المهندس عبدالواحد يوسف إن ولايته الآن آمنة ومستقرة، علق أحد الجالسين (افضل كثير لكن لسه تحتاج عمل)، وكان عبدالواحد سمعه وهو في المنصة ليتعهد عبر كلمته بعدم الصرف إلا على ما ينفع الناس ويقدم لهم الخدمات، مشيراً إلى المشروعات التي تحققت في الفترة الماضية، والتي في الطريق، معلناً خلو ولايته من التمرد، وقال لا توجد حركات مسلحة بالولاية، وأضاف منذ أن أدينا القسم لقيادة الولاية انتهجنا منهجاً لتحقيق الأمن والاستقرار في الولاية، وباهى بالاوضاع الامنية في ولايته قائلاً كل أرجاء الولاية تحت التغطية، وأضاف زرنا جميع محليات الولاية للوقوف عليها عن قرب، وحيا القوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى لما ظلت تقوم به في توفير الأمن للمواطن.
وتعهد يوسف بتعويض مواطني ولايته ما فاتهم من تنمية بسبب الحرب، مشيراً لما تعيشه ولايته من استقرار وترابط في النسيج الاجتماعي، معلناً وداع ولايته للصراعات القبلية بلا رجعه.
وأشار للجهود التي قامت بها لجنة أمن الولاية لتحقيق الاستقرار وبسط الامن وهيبة الدولة في كافة أرجائها، مؤكداً وقوف جميع أهل الولاية ضد الحرب وما يعكر الاستقرار، منوهاً لتعاونهم ووقوفهم مع حكومة الولاية لتحقيق الأمن من خلال تنفيذهم لسياسات حكومة الولاية التي وضعتها.وأعلن والي شمال دارفور إكمال ولايته لاستعداداتها للاستفتاء الإداري، موضحاً أن الولاية كانت الأولى في التسجيل، متعهداً بأن تكون كذلك في التصويت، مشيراً لوعي مواطن الولاية بحقه في التصويت وضرورة القيام بذلك باعتباره حق أصيل لهم.
مشاركة الشرق تلقي الاعجاب في الغرب
وكان لمشاركة مساعد رئيس الجمهورية رئيس جبهة الشرق موسى محمد أحمد في اللقاء الجماهيري أثراً كبيراً في نفوس الحاضرين، الذين تفاعلوا مع خطابه الجماهيري.وقال مساعد رئيس الجمهورية، إن استفتاء دارفور حق أصيل لمواطني دارفور كفلته لهم اتفاقية الدوحة، وحيا طرفي الاتفاقية، مؤكداً أنها مهدت الطريق للاستقرار في دارفور، موضحاً أن السلام مثل أرضية صلبة للتنمية ورسم خارطة طريق لها، داعياً مواطني دارفور للاستفادة من الفرص التي أتيحت لهم لتحقيق التنمية، مناشداً الحركات المسلحة بالانضمام لركب السلام واللحاق به من أجل المواطن، داعياً الجميع لإتاحة الفرصة للحوار الوطني ليحقق أهداف المستقبل للأجيال الحالية والقادمة.
مشاركة إعلامية عالمية
بدأ بعض الصحافيين الأجانب مندهشين للحشود الجماهيرية التي تدافعت نحو منصة رئيس الجمهورية وظهر بعض الإعلاميين من الصين وهم يلتقطون اللقطات المعبرة للأبالة والخيالة والابتسامة لاتفارق شفاههم وجلس بعضهم على الأرض وهو يلتقط الصور على الرغم من أن اللجنة المنظمة خصصت لهم مقاعد تجاور منصة الرئيس بيد أنهم فضلوا اللقطات الفريدة التي يصعب وجودها إلا في السودان حيث بساطة أهله ومسؤولية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة