صراع بطون المسيرية بلعنة النفط.

ترى هل هناك موضوع يستحق التناول بالأمس أو اليوم أكثر من حادثة مقتل واحد وأربعين قتيلاً في صراع قبلي بين المسيرية في ولاية غرب كردفان؟! هذه القبيلة المشهورة بالحكمة والموعظة الحسنة في المشكلات التي تحدث خارجها في قبائل أخرى ماذا دهاها بعد أن ظهرت علامات القيامة؟! صراع قبلي بين أبناء عمومة تُستخدم فيه أسلحة حرب مثل الآربجي إلى جانب الكلاشنكوف والرشاشات وكأنها حرب بين دولة ومتمردين أو بين دولتين، وكان المفترض ان تكون مثل هذه الاسلحة لحماية أبناء وبنات القبيلة وما يملكون من ممتلكات وماشية وأرض ضد المتمردين.
كان ينبغي أن تكون للدفاع عن الوطن ضد الاعتداءات التي سبق ان استهدفت هجليج باعتبارها ارض غير سودانية وبالتالي لا علاقة بالمسيرية بها.. أو غيرهم من عرب غرب كردفان.
لكن هذه المرة ما هو سبب هذا الصراع الذي راح بسببه عشرات الضحايا؟!.. هذه المرة يبدو أن السبب هو «لعنة النفط». النفط كان أقوى حافز لتؤيد الحركة الشعبية عملية انفصال الجنوب عن الشمال رغم استيعاب كثير من قادتها المتعلمين المثقفين لتداعيات ذلك، رغم أن شعب الجنوب يريد في أغلبه ان ينفصل.
لكن كان يمكن أن ترفض الحركة التي اشعلت حرب تقرير المصير او حوّلت الحرب من حرب بالوكالة لصالح المؤامرة الأجنبية إلى حرب تقرير مصير بعد استخراج النفط. إن استخراج النفط اسال لعاب المتمردين الجنوبيين وبدأوا في التملص من حكاية جنوب كردفان أو جبال النوبة والنيل الأزرق والعناصر الشمالية في الحركة الشعبية مثل عرمان. وكان الغريب أن الحكومة في الخرطوم حرصت بكل ما تملك على استمرار الوحدة لكنها تنكبت طريقها حينما استخرجت النفط في إقليم أعالي النيل الجنوبي، وقد كان استخراجه هناك هو القشّة التي قصمت ظهر بعير الوحدة. كان يمكن ان تضع الحرب اوزارها مهما كانت الشروط دون ان تتحمس حركة قرنق المتمردة للانفصال نظراً إلى انها ستستلم ارض تقيم عليها دولة لتغيث اهلها من طعام بيوت النمل. المهم في الأمر هو أن النفط أصبح سبباً لصراعات بين بطون القبيلة الواحدة.. والتقرير الذي استلمه السيد والي ولاية غرب كردفان محل الصراعات وهو حول الأوضاع في منطقة النزاع كما جاء في الاخبار يقول هذا التقرير ان النزاع يعود إلى ارض لتنقيب البترول. اذن «لعنة النفط» توقع بين بطون القبيلة الواحدة.. وقد سبق تدفق الدم تدفق النفط.
حتى الآن لم يستخرج من الارض النفط فلماذا اذن سفك الدماء رغم ان القوم ينتمون إلى الاسلام وهم إخوة بالعرق وبالدين وبالجوار؟!
أما الحكومة فهي تعلم ان الاقليمين الغربيين تنشب فيهما دائماً الصراعات القبلية حول الموارد والارض. ودراساتها لملفات الصراعات القبلية هناك ينبغي ان تفيدها في استيعاب أية احتمالات لنشوب صراع لاحق إذا ارادت أن تقوم بعمل مرتبط بالارض التي تتبع لبطن القبيلة هذي او تلك. وهذا افضل من بذل الجهود «الحثيثة» كما يقال لاحتواء النزاع. إن فكرة الوقاية التي يمكن ايجادها من خلال دراسات السوابق يبقى افضل من بذل الجهود للمعالجة. والوقاية خير من العلاج.. وقد لا يصلح العلاج. إذن دور الدولة هنا ان تهتم بان تدرس بتعمق شديد ملفات النزاعات القبلية في غرب البلاد لتستطيع ان توصف العلاج الناجع.
لا بد من «الوقاية الرسمية» وقاية الحكومة.. حتى لا يقع الفأس في الرأس وتأتي الشخصيات اللامعة «لشيل الفاتحة».. للعزاء.. وقولة «كفّارة» للجرحى. إن المنطقة التي تشير إليها أصابع الخبراء بأن في باطنها نفطاً تعوّض الدولة أصحابها الاصليين قبل اخلائها منهم كما تفعل عادة.. ثم تحمي أمنهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة