معاقبة السودان ليست استراتيجية مقال لمجلة Foreign Affairs


قبل ثماني سنوات، أثناء خطاب الرئيس السابق أوباما في مستهل ولايته، وجه تحديا لأسوأ حكومات العالم قائلا: "يجب أن تعلموا أنكم في الجانب الخطأ من التاريخ.. ولكنناسنمد يدنا إذا كنتم على استعداد للتخلي عن تشددكم."وفي السنوات التي تلت ذلك، أوفي أوباما بتعهده عبر الانفتاح على كل من إيران وكوبا. وفي الأسابيع الأخيرةمن رئاسته أعلن أيضا تحولا في السياسة نحو السودان ـ الذي تبادله الولايات المتحدة العداء منذ فترة طويلة ـ بما في ذلك تخفيف العقوبات.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة جاءت في وقت متأخر من حكم أوباما، إلا أنها في الواقع تتويج لمبادرة ،بدأت منذ ما يقرب من عامين عبر سلسلة من المحادثات الثنائية.
وتمثل هذه المبادرة الاعتراف بأن واشنطن وجدت فرصة أفضل لتحقيق أهدافها في السودان من خلال دبلوماسية أكثر ذكاء وأكثر مرونة؛ تجمع بين كل من الضغط والمشاركة.
وفي مقال بمجلة فورين أفيرز، يرى زاك فرتين زميل مركز وودرو ويلسون، الذي شغل سابقا منصب كبير مستشاري المبعوث الأمريكي الخاص للسودان وجنوب السودان، أن أوباما كان محقا في هذا التحول، وعلى الرئيس الحالي دونالد ترامب أن يواصل ما بداه سلفه.
والمعروف ان النظام القائم في السودان على مدى ربع قرن، يركز السلطة في العاصمة في حين يهمش ويقمع بعنف المواطنين في المناطق النائية في دارفور،وجبال النوبة، وجنوب السودان.
وانتهجت واشنطن، لعقدين من الزمن، سياسة تهيمن عليها العقوبات الاقتصادية، والضغط، والعزلة. وكان الهدف هو إجبار النظام السوداني على التغيير، وإذا فشلت الأساليب السياسية، فلا مانع من اللجوء إلى القوة لتغيير النظام.
وأخفقت هذه السياسة، طوال تلك الفترة: فلم تنفذ حكومة الرئيس السوداني عمر البشير الإصلاحات الداخلية اللازمة لإنشاء نظام سلمي للحكم وأكثر شمولا ، ولم يتم التخلص منهاوكان نهج واشنطن عقابي يفتقر إلى وسيلتين: أولا، التعاون مع مجموعة كاملة من الجهات الفاعلة العالمية، حتى ينجح الضغط. وثانيا، وضع استراتيجية تشارك فيها الحكومة لتحقيق الأهداف المرجوة. غير أن الولايات المتحدة لم تفعل أيهما في السودان، لفترة طويلة جدا.
وردا على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في التسعينيات، تحولت الخرطوم شرقا ببساطة، عبر تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين الصاعدة.
ودعمت هذه الشراكة بسياسة الخارجية نشطة تتعامل مع دول في آسيا والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا؛ لصالح دعم شرايين الحياة السياسية والمالية، بينما تتخذإجراءات قاسية ضد المعارضة في الداخل.وفي الوقت نفسه، أضرت عقوبات الولايات المتحدة بالمواطنين السودانيين، وكثير منهم ليسوا أنصار النظام: حيث تفتقر المستشفيات إلى الإمدادات الحيوية،وارتفعت أسعار السلع المستوردة، ويكافح العاملون في الخارج لإرسال التحويلات المالية للأسر المحتاجة، وتكافح الشركات من أجل للبقاء.
وفي الوقت نفسه، كان النظام يتهرب من المسئولية عن المشكلات الاقتصادية بالقاء اللوم على الولايات المتحدة.
ولم تفلح ضغوط واشنطن السياسية في تغيير ممارسات النظام في الداخل. ولكن عندما قررت الولايات المتحدة، التعامل مع الحكومة السودانية في عام 2005 و2010، بسياسة الجزرة والعصا، تحقق بعض التقدم.
لكن واشنطن كثيرا ما كانت تختار ابداء مظاهر الازدراء، بلدا من الارتباط الوثيق، بسبب تعنت الخرطوم.وفي 2015، شرع الدبلوماسيون الأمريكيون في انتهاج استراتيجية مختلفة. وقدموا خارطة طريق للمشاركة، بعد عدة جولات من المحادثات مع المسئولين السودانيين: وقف الهجمات العسكرية الحكومية على المناطق المهمشة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، والتعاون في جهود مكافحة الإرهاب،والامتناع عن التدخل في الصراع الدائر في جنوب السودان، التي استقلت في 2011 بدعم من الولايات المتحدة.
خلافا لبعض ردود الفعل على إعلان أوباما، لم تكن مكافحة الإرهاب ولا الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط هي القوة الدافعة وراء التحول في السياسة الأمريكية.
وفي مقابل الوفاء بهذه الالتزامات، تبدأ واشنطن تخفيف العقوبات، ورفع الحظر التجاري، وتقديم حوافز معقولة أخرى.
ويوضح فرتين أن من شأن هذه الخطوات الأولى طمانة السودان. لكن الاتفاق من شأنه أيضا أن يترك للرئيس الجديد الكثير من الأدوات الإضافية للمضي بالعملية قدما.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة