لوردات الحرب التُعساء!


تنعدم المقارنة تماماً لما هو أدنى من الصفر بين الأوضاع في السودان وتلك التي ترزح تحتها بأسى وحزن دولة جنوب السودان وهو بالضبط ما يجعلنا ننأى تماماً عن الخوض في حملات إعلامية مساوية في الدرجة والمقدار لتلك التي تشنّها صحف جنوبية مُوِّلت خصيصاً لهذا الغرض، ولا تنقصها البصمات الشخصية المعروفة لأمين عام الحركة الشعبية (العائد مؤخراً) باقان أموم.

 الفارق التاريخي والواقعي الشاسع ما بين الدولتين، يظل هو وحده السياج الحامي للسودان من مغالطات وأكاذيب ناشئة الصحافة الجنوبية، الذين نشئوا في (ظروف الحرب) يمارسون تجارة الحرب عبر الإعلام والكتابة الصحفية وليسوا في حاجة للأمن والاستقرار طالما أن الحرب توفر لهم هذا الترف الذي يعيشون فيه!

 غير أن هذا بالطبع لا يمنعنا من أن نحاول استكناه دوافع بعض قادة الجنوبيين في هذا التوقيت بالذات لتصعيد الحملات الإعلامية ضد السودان وتكثيف الدعم للحركات السودانية المسلحة المستضافة منذ سنوات على ارض دولة الجنوب.

أولاً، من الملاحظ بوضوح أن كثافة التصعيد الإعلامي قد إرتفعت مؤخراً جداً عقب عودة الأمين عام للحركة باقان أموم بعد إقالته وتقديمه لمحاكمة. الرجل بما عُرف عنه من اندفاع وأنه ليس له عدو في كل هذا العالم سوى السودان، أراد أن يصرف الجنوبيين والمجتمع الدولي عن أرض بلاده المحرقة؛ ولذا وجّه إعلام حكومته باتجاه السودان.

كما أن الرجل ربما أراد تحقيق هدف مزدوج؛ تجميل وجه الحرب الأهلية الدامية وفى نفس الوقت رفع معنويات رفاقه في قطاع الشمال. الذي يعرف أموم و تكتيكاته (المحدودة) ذات الطابع المشوب بالمغالطات، يعرف أن الرجل وراء هذا السعار الإعلامي عديم الجدوى.

ثانياً، القادة الجنوبيين في جوبا يشعرون بمرارة تاريخية أشد من الحنظل كونهم لم ينجحوا طوال الصراع الشاق والطويل في الانتصار على السودان وتفتيت قواه والثأر منه، فلا الحرب التي قادوها نجحت في تدمير السودان، ولا حصولهم على إقليمهم ودعمهم لكل القوى السودانية المسلحة أوصلهم إلى هذا الهدف! من الطبيعي أن يشكل هذا الوضع (ألماً وحنقاً خاصاً) لديهم، ولهذا فإنهم الآن يحاولون رد كل ما يجري فيما بينهم إلى السودان.

ثالثاً، الحركة الشعبية الحاكمة في دولة الجنوب هي أيضاً تشعر بغيرة سياسية تصل إلى حد الحسد، كون أن السودان ورغم كل الحروب التي واجهها واشتعال أطرافه والمؤامرات المتصلة ضده ما يزال قوياً وتماسكاً لم تتفتت نواته المركزية. فقد كان قادة الحركة يعتقدون في السابق أنهم سوف يتفوقون على السودان بمجرد انفصالهم ويفوقونه في كل شيء لان السودان كما كان يقول أموم دولة فاشلة، بينما هم -قادة الحركة الشعبية قادة النجاح والمستقبل!

من المؤكد أن الوضع الذي يعيشونه الآن في مقابل الوضع الأفضل والأقوى للسودان يدفعهم دفعاً لمحاولة الانتقاص منه وإلصاق التهم به وتحريض المجتمع الدولي عليه.

هناك بالطبع دوافع خفية أخرى لا حاجة لنا للإفصاح عنها ولكن المهم في هذا الصدد أن السودان مدرك وبعمق لطبيعة ذهنية قادة الحركة الشعبية وطبيعة التناقضات التي يعيشونها داخل كابينة القيادة، وتأثير العامل القبلي، ولهذا فإن حملاتهم الإعلامية السطحية هذه لن تكون مجدية، لأن العالم بأسره الآن يتفرج على مأساة قادة الحركة الشعبية الذين تثبت أنهم ليسوا سوى (لوردات حرب) ولا يملكون الحد الأدنى من الذكاء لإدارة خلافاتهم الشخصية الخاصة.

 

 

 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة