كيف قضى السودان استراتيجياً على تحركات محكمة الجنايات الدولية؟
بعد سبات عميق و
صحو واستيقاظ متقطع من حين لآخر -بحسب المناسبة- عادت محكمة الجنايات
الدولية الى الواجهة من جديد الاسبوع الماضي في محاولة على ما يبدو للعودة
إلى المنضدة الدولية.
مدعية محكمة الجنايات (فاتو بنسوا) لم تجد من بين ملفات واوراق المحاكم التى احاط بها غبار النسيان وتراب الفشل سوى ملف السودان؛ وقفت امام اعضاء مجلس الامن الدولي تقدم تقريرا دوريا مملاً، لا جديد فيه، تطالب اعضاء مجلس الامن الدولي، المساعدة في اعتقال الرئيس البشير، الهم الاوحد الذى تنام وتصحو عليه.
الواقع ان تقارير المدعي العام (بن سودا) على رتابتها وإثارتها الملل وكشفها عن عمق المفارقة في العدالة الدولية، و يكفي ان دولاً معروفة ترتكب جرائماً موثقة في وضح النهار، تقتل و تطارد و تفعل الافاعيل ولا يقترب منها احد، ودولاً اخرى يتم استغلال ظروفها لاقصى حد كي يتم تدجينها و اخضاعها لجهاز دولي سياسي بامتياز لا يمت إلى العدالة بصلة.
ولهذا فان مذكرة توقيف الرئيس البشير الصادرة في العام 2009 تدخل الان عامها العاشر دون ان تنفذ. في ان حين الدعي العام السابق (موريس اوكامبو) الصادرة المذكرة في عهده كان يتوقع تنفيذه (خلال ساعات) كما قال بذلك لمن هم حوله، ولمن وضعوه في ذلك المنصب الدولي الرفيع أملاً في ان يحقق لهم معجزة!
دول العالم المختلفة سرعان ما ادركت ان أي مساس برئيس دولة ما يزال في الحكم و يتمتع بحصانة كفلتها له اتفاقية فينا للعلاقات الدولية 1959 معناه اهالة التراب على الفور على الاتفاقات الدولية و شن الحروب بين بعضها.
كانت المعضلة الحقيقية ولا زالت في اكذوبة محكمة الجنايات الدولية انها محكمة من شأنها ان تزيد من جراح دول العالم وإفساد علاقاتهم الدولية لانها تقتضي مخالفة القانون الدولي والاتفاقات التى رسخت على مدى عقود بين دول العالم. الدول الافريقية التى لفت السودان نظرها ان ان لاهاي تركز كل جهدها فقط لملاحقة قادتها الافارقة وحدهم، سارعت باتخاذ قرار بالاجماع يحظر التعاون مع المحكمة .
قمة سرت في ليبيا قبل سنوات قطعت الطريقة على المحكمة وجعلت من اوامرها هباء منثوراً . الرئيس البشير لم يترك محفلاً دولياً في اقصى انحاء العالم لم يشارك فيه، كان الرجل ببساطة يتحدى المحكمة و يرغمها على ان تبتلع مذكرتها الصفراء. اكثر من 60 رحلة دولية في قارات اوروبا و آسيا و أمريكا اللاتينية وافريقا قام بها الرئيس البشير في وضح النهار بطائرة رئاسية سودانية دون ان يقي بالاً للمذكرة .
عشرات العواصم العالمية استقبلت البشير ولم يقترب منه او تمسه بسوء. كل هذه كانت ادلة قاطعة عى ان احداً ليس مستعداً لمجاراة محكمة سياسية دولية، تدفعها السياسة اكثر من دافعها العدالة.
لقد نجح السودان بما يثير الاعجاب في فضح المحكمة الجنائية وتبصير المجتمع الاقليمي والدولي بما تضمره وترمي لتحقيقه من أهداف سياسية ولهذا فان أي تقرير تقدمه المحكمة او دعوة يصطدم بالصخرة التى وضعها السودان امامها فسدت بإحكام أي طريق من الممكن ان يفضي إلى حيث تريد لاهاي.
تعليقات
إرسال تعليق